استمع إلى الملخص
- شهداء 6 أيار 1916 وحرب تشرين 1973 يمثلان رموزاً للكرامة الوطنية والمقاومة ضد الاحتلال، وإلغاء هذه الأعياد يمحو جزءاً من الذاكرة الوطنية.
- بعد سقوط النظام الأسدي، كان الأمل في تعزيز الوعي الوطني، إلا أن إلغاء الأعياد الوطنية يثير القلق حول مستقبل التعليم والذاكرة الوطنية.
لا نكاد نستيقظ من حدث أليم مباغت، أو قرار حكوميّ صادم، حتى نفاجأ بأحداثٍ موجعةٍ أخرى، وقرارات جديدة أكثر غرابة! وأحدثها، إلغاء ثلاثة أعياد، منها عيد المعلّم. وإن كان إلغاء هذا العيد غير مبرّر أو مفهوم، إنّما يمكن للسوريّ أن يمرّره. فالوضع التربويّ والتعليميّ كان تعيساً، إبّان مرحلة الأسدَين البائدَين، إلى الحدّ الذي يكفل وحده باندلاع ثورة، وبها يثبت عيد للمعلّم بجدارة. سيغفل المواطن عن قرار إلغاء هذا العيد لهولٍ صادمٍ أصابه جرّاء إعلان إلغاء عيدَين آخرَين إنّما وطنيّين، يحتفيان بذكرى عظيمة بنبالتها الإنسانيّة والأخلاقيّة والوطنيّة، وتخصّ الشعب السوريّ بانتماءاته الضيّقة كلّها، هذه التي كانت تضمحلّ وتختفي في حضرة الانتماء الوطنيّ المقدّس والراسخ. وبالتالي؛ هي ذكرى تخصّ الذاكرة السوريّة الجمعيّة الموحّدة، وقد وحّدت حتّى جدران البيوت السوريّة، بصور أبطال شهداء السادس من أيّار، الذين أعدمهم جمال باشا السفّاح، إبّان الاحتلال العثماني. وفيما بعد ستجاورها، صور أبطال حرب تشرين التحريريّة شهداء مقاومة الصهاينة. ويا لفخرنا بكرامتنا الوطنيّة والحريّة، وبمددنا بالأمل في دياجيرنا.
مثّل حدث إعدام شهداء 6 أيّار (1916)، رمزيّة ناصعة لحقد الاحتلال وقتله للفكر والثقافة الوطنيّة، لصحافتها، منابرها الإعلاميّة، خطاباتها وأبحاثها. إنّما هيهات. ففي 1925، ستندلع الثورة السوريّة الكبرى. تحرّرت البلاد، من احتلالات ثلاثة؛ العثمانيّ، الفرنسيّ، والإنكليزيّ. وصولاً إلى حرب تشرين (1973)، التي خاضها الشعبان السوريّ والمصريّ، وبدعم عديد من الجيوش الوطنيّة الشقيقة، لمجابهة الصهيونيّ مغتصب أرض فلسطين العربيّة. ومن نافل القول أنّ شهداء الاحتلالين جسّدوا الالتحام العربيّ أيضاً. فالشعوب والجيوش الوطنيّة هي التي صنعت تحرّرها سابقاً، ومحاولاتها الباسلة اللاحقة. وإن كانت تسمية البائد الأسد الأب قائداً لتلك الحرب المجيدة، فذلك للأمر الواقع وحسب، فقد صادف أن يكون رئيساً لسوريّة آنذاك. ولا يخفى على أحد اتّجار الأسد الأب والابن بالقضيّة الفلسطينيّة العادلة، على عادة الأنظمة الديكتاتورية الشموليّة، لم يقصدا يوماً القضاء على العدوّ، وخلق أيّ عدوّ، لتبرير استبدادهما وجرائمهما بحق الشعب السوريّ. وإذاً، العيدان وطنيّان يخصّان الشعب برمّته وذاكرته الوطنيّة الجامعة، يحتفى بهما للاستقواء، واستعادة الأمل مهما حلكت الظروف وقست. فلا حقّ لأيّ كان مهما علا شأنه وازداد بطشه بمحو الذاكرة، ومن المحال أن تمحى ذاكرة الشعوب.
كان عشمي كبيراً بعد اندحار الحقبة الأسديّة، بأن تُلغى مادّتا الوطنيّة والقوميّة من المناهج المدرسيّة، لما كانت تسطّره من أكاذيب الأسدين وترّهاتهما، وتسخيف عقول الطلّاب. ويحلّ محلّهما مثلاً نصوص للمناضل الثوري عبد الحميد الزهراوي، ولرفيق نضاله والشهادة شكري العسلي، هذا الذي كان أوّل من حذّر من الاحتلال الصهيونيّ وندّد به، وكان أغضب السلطة العثمانيّة لفضحها ببيع أراضي فلسطين. واليوم، منعت السلطة الانتقاليّة المادّتَين فعلاً. إنّما أصابني إلغاء العيدَين المذكورين سابقاً بخذلان شنيع وقلق شديد. فما الذي سيدرج في مناهجنا وعقول طلّابنا وذواكرهم؟ أأنّنا بلا تاريخ شهد الحقب الناصعة، وقدّم التضحيات الجُلّى في سبيل بقاء الوطن موحّداً حرّاً وكريماً؟ وهل ستعتّم المناهج الجديدة على إبداعات محمود درويش، سميح القاسم، السيّاب، محمد الماغوط، نزار قبّاني، وتطول القائمة بأسماء المبدعين الوطنيّين الراسخة في الوجدان والذاكرة؟
لن تعوز السوريّين الحيلة كسابق عهدهم لحماية عقول أبنائهم واحترامها، وصون الحقائق. ومهما اشتدّت المحن لن يصحّ غير الصحيح، فلا الظلم صحيح ولا الاحتلال.