استمع إلى الملخص
- تضررت 85% من منشآت المياه والصرف الصحي، وانخفض استخراج المياه بنسبة 80%، مع توقف شبه كامل للخدمات المائية وارتفاع تلوث المياه إلى 25%.
- تعاني 90% من الأسر من انعدام الأمن المائي، مما يسبب أمراضاً مثل الإسهال، وتفاقم الوضع مع تكدس النفايات وتلوث البيئة البحرية.
في مخيمات النزوح وتحت أشعة الشمس، يصطفّ الفلسطينيون الذين هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية لساعات في طوابير طويلة للحصول على كميات شحيحة من مياه بالكاد تصلح للاستخدام البشري، من جرّاء تلوّثها وسط ظروف عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة منذ أكثر من 19 شهراً. فمنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تعمّدت قوات الاحتلال تدمير البنية التحتية لمنظومة المياه في القطاع، بما في ذلك شبكات وخطوط وآبار ومحطات تحلية، الأمر الذي جعل الحصول على مياه نظيفة ومأمونة للشرب مهمّة شبه مستحيلة.
وانخفض معدّل استهلاك الفرد في قطاع غزة من المياه من نحو 84.6 لتراً يومياً قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة إلى ما بين ثلاثة لترات وخمسة فقط، الأمر الذي يمثّل تراجعاً كارثياً مقارنةً بالحدّ الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية في حالات الطوارئ، المقدّر بـ20 لتراً يومياً للفرد، بحسب ما بيّنته سلطة المياه الفلسطينية. وانعكس هذا التراجع الحاد مباشرة على النظافة الشخصية ومناعة السكان، وأسهم في تفشّي الأمراض، خصوصاً في المواقع المكتظة مثل مراكز الإيواء ومخيمات النزوح، كذلك تسبّب في أمراض خطرة ناجمة عن نقص شرب المياه، مثل التجفاف وأمراض الكلى.
وقال مدير دائرة صحة البيئة والسلامة المهنية لدى وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، أيمن الرملاوي، لوكالة الأناضول، إنّ حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على القطاع "أعدمت كلّ مناحي الحياة"، وأشار إلى أنّ منظومة المياه والصرف الصحي من "أبرز القطاعات المتضرّرة من جرّاء الحرب، خصوصاً أنّها ترتبط مباشرةً بواقع الصحة العامة في القطاع"، مؤكداً أنّ حصة الفرد الواحد اليومية من المياه انخفضت كثيراً.
وفي العاشر من مايو/ أيار الجاري، أفادت سلطة المياه الفلسطينية بأنّ "85% من منشآت المياه والصرف الصحي في القطاع تعرّضت لأضرار جسيمة، كذلك انخفضت كميات استخراج المياه بنسبة 70 إلى 80%". أضافت سلطة المياه، في بيان، أنّ "تدمير الاحتلال البنية التحتية وقطع الكهرباء ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الأساسية (إلى غزة) أدّت (كلّها) إلى توقّف شبه كامل لتقديم الخدمات المائية". وبيّنت أنّ قطاع غزة صار "منطقة تموت عطشاً".
ويتزامن انخفاض حصّة الفرد من المياه في قطاع غزة مع ارتفاع نسبة تلوّث المياه التي تصل إلى المواطنين المحاصرين، بحسب ما تؤكد سلطة المياه الفلسطينية، وكذلك وزارة الصحة في القطاع.
في سياق متصل، أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) بأنّ ما بين 65 و70% من منظومة المياه في قطاع غزة دُمّر بفعل الحرب، الأمر الذي جعل إيصال المياه عبر الشبكات القديمة "أمراً شبه مستحيل"، فاضطرت فرق الإغاثة إلى توزيع المياه بواسطة الشاحنات، على الرغم من العقبات الكبيرة الناجمة عن نقص الوقود، بحسب ما جاء في بيان أصدرته المنظمة في التاسع من مايو الجاري. ونقل البيان عن المتحدث باسم منظمة يونيسف جوناثان كريكس، قوله إنّ ندرة الوقود لا تعرقل نقل المياه فحسب، بل تؤدّي كذلك إلى توقّف محطات التحلية.
وتضمّن بيان منظمة يونيسف حديثاً لأحد عمّال الإغاثة الناشطين في مجال توزيع المياه، أفاد فيه بأنّ "الأطفال أكثر من يتحمّل أعباء هذه الحرب"، وأضاف: "نرى يومياً مشاهد مأساوية لأطفال يموتون من الجوع والعطش، يمشون عشرات الكيلومترات بحثاً عن لقمة أو قطرة مياه". وتابع قائلاً إنّ "90% من الأسر تواجه صعوبة بالغة في الحصول على مياه شرب كافية، بل تعجز عن تأمين المياه لتنظيف طفل حديث الولادة".
وأوضح مدير دائرة صحة البيئة والسلامة المهنية لدى وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، في حديثه إلى وكالة الأناضول، أنّ نسبة تلوّث المياه ارتفعت من 4% قبل الحرب الأخيرة إلى 25% في الوقت الراهن، بسبب التدمير الواسع لشبكات المياه والصرف الصحي والآبار ومحطات التحلية، بالإضافة إلى منع إدخال مواد التعقيم إلى القطاع. يُذكر أنّ سلطة المياه الفلسطينية كانت قد حذّرت، في بيانات سابقة، من تفشّي الأمراض نتيجة تصريف المياه العادمة بالمناطق السكنية وامتلاء أحواض الأمطار بها.
تجدر الإشارة إلى أنّ منع مواد التعقيم يأتي في سياق تشديد الاحتلال حصاره على الفلسطينيين في قطاع غزة، منذ الثاني من مارس/ آذار الماضي، من خلال منع إدخال كلّ المساعدات الإنسانية إليهم، وكذلك مختلف الإمدادات، ولا سيّما الحيوية والمنقذة للحياة.
وبيّن مدير دائرة صحة البيئة والسلامة المهنية لدى وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أيمن الرملاوي، أنّ "90% من الأسر في القطاع، وخصوصاً النازحة، تعاني من انعدام الأمن المائي". وأشار الرملاوي إلى أنّ الحدّ الأدنى المتوفّر من المياه لا يكفي للنظافة الشخصية، ويتسبّب في أمراض، من بينها الإسهال والإسهال الدموي وشلل الأطفال والتهاب الكبد الوبائي (أ) وأمراض الكلى الناجمة عن استهلاك المياه الملوّثة أو المزروعات المرويّة بمياه الصرف الصحي.
وفي منطقة المواصي بخانيونس جنوبي قطاع غزة، أُبلغ عن انتشار كبير لمرض الجرب، بسبب تكدّس النفايات والحيوانات والقطط الشاردة، الأمر الذي يمثّل بيئة مثالية لتكاثر الحشرات، بحسب الرملاوي.
من جهة أخرى، قال الرملاوي إنّه "قبل الحرب، كانت ما بين 250 و260 بئراً عاملة تضخّ المياه الجوفية لسكان قطاع غزة، أمّا الآن فلم تتبقَّ إلا 118 بئراً فقط، وعددها يتناقص مع استمرار القصف وعمليات الإخلاء والنزوح". وبشأن تلوّث المياه، شرح أنّ "مخيمات النزوح تعتمد على الحفر الامتصاصية لتصريف المياه العادمة، ما يهدّد بتلويث الخزان الجوفي ويزيد من احتمالات تفشّي الأوبئة".
وأكمل الرملاوي أنّه "بسبب توقّف محطات معالجة المياه العادمة نتيجة نقص الوقود وخطورة المواقع التي توجد فيها، تُضخّ مياه الصرف الصحي حالياً مباشرةً إلى البحر من دون معالجة، الأمر الذي يزيد من مستويات التلوّث ويهدّد الحياة البحرية والساحلية". وحذّر من أنّ "الوضع مرشّح لمزيد من التدهور في ظلّ استمرار الإغلاق ومنع إدخال الوقود والمستلزمات (الضرورية لمعالجة الأزمة)"، مؤكداً أنّ السكان عاجزون عن تأمين حاجتهم من المياه ليوم أو يومَين أو حتى ثلاثة، بسبب الكميات المحدودة المتوفّرة.
(الأناضول، العربي الجديد)