استمع إلى الملخص
- يشير أستاذ علوم الأغذية إلى أن الفساد يعوق فعالية الرقابة، حيث تدخل شحنات مخالفة للأسواق، وتظهر الدراسات أن نسبة كبيرة من المنتجات غير مطابقة للمواصفات.
- يطالب الخبراء بتشريعات صارمة لمواجهة الموردين الفاسدين، مع التركيز على أضرار المواد الملوِّنة التي تسبب أمراضًا خطيرة مثل السرطان.
تحاول الجهات الرقابية في ليبيا التصدي لانتشار الأغذية غير المطابقة للمواصفات الصحية، والتي تنذر بمخاطر كبيرة، وتعلن السلطات بشكل متكرر ضبط كميات من تلك الأغذية، سواء الأغذية المحلية أو الواردة من الخارج. ومن بين المواد التي تتابعها الأجهزة الرقابية، الأصباغ والملوِّنات في تصنيع المواد الغذائية، وهي تحدِّث كل فترة قائمة الألوان المحظور استخدامها في جميع أصناف الغذاء، والتي باتت تتضمن 19 لوناً محظوراً.
رغم ذلك، لا تزال تعلن ضبط كميات كبيرة من الأغذية التي تحتوي على تلك الألوان، وتشمل الكميات المضبوطة التي تحتوي على المواد الملوِّنة المحظورة الأجبان بمشتقاتها، والزيوت والدهون، والصلصات، والمعجنات، وأنواع من الشكولاتة، والبسكويت، وأغذية الأطفال ومكملاتها، والعصائر والمشروبات الغازية، وفقاً لإعلانات مركز الرقابة على الأغذية الحكومي وجهاز الحرس البلدي.
وتُظهر أغلب إعلانات الجهتين الرقابيتين ضبطهما مواد ملونة محظورة داخل بعض الأصناف الغذائية المعروضة للبيع في المحال والأسواق، كما أعلنتا في بعض المرات رفضهما دخول شحنات غذائية موردة من الخارج لذات الأسباب. من جانبه، يؤكد أستاذ علوم الأغذية، المكي الشيباني، أن إجراءات الرفض من مركز الرقابة على الأغذية لا تعني الوقف الكامل لدخول تلك الشحنات، وأن بعضها يمر بالفعل عبر "تجاوزات والتفافات يتقنها الفاسدون من التجار"، على حد قوله.
ويوضح الشيباني لـ"العربي الجديد"، أن "أي جولة ميدانية داخل الأسواق الليبية يمكنها أن تكشف عن عشرات من الأصناف الغذائية التي تحتوي على ملوّنات محظورة، فكيف وصلت تلك الشحنات إلى الأسواق؟ لا نشكك في جهود مركز الرقابة والحرس البلدي، لكن يظل حجم الفساد أكبر بكثير من تلك الجهود".
ووفقاً لدراسة حديثة أجرتها الجمعية الليبية للغداء والتغذية، فإن 13% من المنتجات المعروضة في الأسواق غير مطابقة للمواصفات من حيث كتابة ووضوح تاريخ الإنتاج والصلاحية على بطاقة بياناتها، بينما 51.4% غير مطابقة للمواصفات من ناحية ترتيب قائمة المكونات الغذائية، و30% غير مطابقة للمواصفات من حيث المعلومات الغذائية، كما أن 25.4% غير مطابقة لمواصفات ظروف الحفظ والتخزين. أما عن كتابة التحذيرات على بطاقة البيانات، فبلغت نسبة عدم المطابقة 40.1%.
وفيما يؤكد الشيباني أن البلاد تمتلك مؤسسات لديها دراية وخبرة في الرقابة على جودة الأغذية، ومنها المركز الوطني للمواصفات القياسية، ومركز الرقابة على الأغذية، يشير إلى وجود مراكز بحثية وجامعية لديها القدرة على إجراء الأبحاث، والاستقصاء من أجل التوصل إلى نتائج يمكن من خلالها سن قوانين أو إصدار قرارات فاعلة في هذا السياق.
ويتابع: "لكن ذلك لا يبدو معتبراً أو ذا قيمة في ظل تفشي الفساد، وفوضى السلاح التي لا يمكن معها فرض القوانين أو معاقبة المخالفين، غير أن هذا لا يعني الاستسلام أمام واجب حماية صحة المستهلك. وقد يستقوي التجار بقادة المليشيات في الخفاء، لكن ضررهم يتراجع عند كشفهم والتشهير بهم كما رأينا في العديد من المناسبات، فهم يدركون أن يد القضاء تحفظ الكثير من الملفات التي يمكن أن تلاحقهم يوماً ما".
ويطالب الشيباني بضرورة أن تصدر السلطات في ليبيا إجراءات صارمة لمواجهة الموردين والتجار الفاسدين، ومن ذلك سن التشريعات اللازمة لتحديد الدول المسموح بتوريد الأغذية منها، ووضع قوائم للشركات الملتزمة بتوصيات وقرارات لجنة الدستور الغذائي المعنية بالمواد المضافة، وهي لجنة تتبع منظمة الأغذية والزراعة الأممية "فاو"، مشيراً إلى أن "باب توريد الأغذية مفتوح على مصراعيه من دون تحديد وضبط الجهات المسموح بالتوريد منها".
وتعد المواد الملوِّنة المضافة للأغذية أحد أكبر أسباب تفشي أمراض السرطان، ووفق أحدث نشرات البرنامج الوطني لمكافحة السرطان، فإن سرطان القولون، وهو ثاني أكثر أنواع مرض السرطان انتشاراً في ليبيا بعد سرطان الثدي، سُجلت 904 إصابات به في عام 2020، وتعد نوعية الطعام والمؤثرات على جودته كالمواد المضافة من بين أهم أسباب انتشاره.
ويوضح الشيباني أن "المواد الملوّنة في الأصل بلا قيمة غذائية، وإنما تضاف لتعطي ألواناً تحسينية، لذا فنسب وجودها في بعض المواد الغذائية منخفضة، لكن استخدامها بنسب كبيرة يجعلها عنصراً مضافاً له أضرار كبيرة، وإنّ أكثر الشرائح المعرضة لمخاطر المواد الملونة المحظورة هم الأطفال، وذلك عبر ما يضاف من ملونات للمكملات الغذائية، إضافة إلى المخاطر الواسعة على كل الفئات العمرية عبر الملونات التي تضاف إلى الطماطم والزيوت وغيرها من المواد التي لا يمكن الاستغناء عنها في الأغذية".