استمع إلى الملخص
- يتضمن مشروع القانون الحكومي زيادة الإيجارات بنسبة 15% سنوياً، لكنه يواجه انتقادات لعدم معالجة إخلاء الوحدات وعدم توافقه مع حكم المحكمة الدستورية.
- تعكس المناقشات التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ويؤكد البرلمان على ضرورة صيغة متوازنة تحمي مصالح جميع الأطراف وتوفر سكن بديل للمستأجرين المتضررين.
تشهد مصر جدالاً يتعلق بمناقشة قانون الإيجار القديم المقدم من الحكومة، والذي يحرّر العقود بين المالك والمستأجر خلال خمس سنوات، في ظل ما اعتبره البعض ترسيخاً للطبقية وطرد العديد من المستأجرين من بيوتهم
تحوّلت مناقشة مشروع الحكومة تعديل قانون الإيجارات السكنية القديمة، المعد من الحكومة المصرية، في اللجنة البرلمانية الموسعة في مجلس النواب، ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى ساحة خلافات واسعة، تعكس الفروق الطبقية والتغيرات الاجتماعية العميقة التي شهدها المجتمع المصري على مدار العقود الماضية.
وكانت هناك تلاسنات حامية بين من يعرفون بـ"أولاد الذوات"، وهم من بقايا الطبقة البرجوازية ذات الأصول الثرية أو الذين صعدوا إليها عبر تولي مناصب وزارية وقيادية بالدولة، سواء من الملاك أو المستأجرين من المقيمين في المناطق الراقية مثل أحياء وسط القاهرة وجزيرة الزمالك والمدن الكبرى ممن يحظون بحماية من نواب البرلمان، وقطاع عريض من المواطنين البسطاء ممن يقيمون في مساكن متواضعة تخضع لأحكام القانون.
تجدد الصراع الطبقي مطلع الأسبوع الجاري، بعد تصريحات رئيس لجنة الإدارة المحلية في البرلمان أحمد السجيني، وتتضمن رفض النواب نقل سكان الإيجارات القديمة من الأحياء الراقية التي يقيمون فيها حالياً إلى منطقة مثل الأسمرات. لم يدرك السجيني صدى كلماته عن مساكن أقامتها رئاسة الجمهورية على حافة جبل المقطم شرق العاصمة، لإيواء الأسر الفقيرة، والمنقولين من المناطق العشوائية من قلب القاهرة الفاطمية، والتي تعتبرها الحكومة أيقونة مشاريع الإسكان الاجتماعي المقدم مجاناً للمواطنين البسطاء.
يتهم الملاك الحكومة بأنها لا تسعى إلى حل الأزمة حتى لا تتحمل عبء إيجاد مساكن بديلة للمتضررين، ومن ثم يظل الدعم للمستأجر من جيب الملاك. اتُّهم السجيني وشركاؤه في اللجنة البرلمانية بالبحث عن مخرج يمنع سكان الوحدات الراقية من الخروج منها ولو بعد حين، لتظل معضلة أمام المشرعين، ونقطة مثيرة للاهتمام شعبياً، حيث يدفع سكان هذه الوحدات مبالغ تراوح ما بين 50 إلى 100 جنيه بدلَ إيجار شهري لوحدات تزيد قيمتها عن بضعة ملايين، بعضها مغلق من قبل ورثة المستأجرين وآخرون يؤجرونها مفروشة بمبالغ تزيد عن 3 آلاف دولار شهرياً.
ركز أعضاء اللجنة النيابية المشتركة على حل مشكلة الأغنياء، باعتبار أن بعضهم سقط من قمة الطبقة البرجوازية، بعد فقدانه الوظيفة العامة أو تآكل أصوله المالية وثرواته في ظل الغلاء الفاحش الذي طاول جميع المواطنين. في الوقت نفسه، لم يضعوا حلاً لأزمة ملايين المصريين الذين يعيشون في مناطق شعبية في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية، والمهددين بالطرد من منازلهم التي يقيمون بها منذ سنوات.
ويقضي التعديل، وفقاً للمشروع الحكومي، بتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر خلال خمس سنوات، وتوفير الدولة، ممثلة بوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، سكناً بديلاً للمستأجرين الذين سيتركون منازلهم سواء إيجاراً أو تمليكاً، إثر تشكيل لجان تنفيذية في المحافظات لدراسة وبحث آليات توفير السكن البديل.
وتكافح الطبقة المتوسطة في مصر للحفاظ على أساسيات الحياة من طعام وشراب وملبس ومسكن وتعليم وصحة، مع ارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم والغلاء بفعل سياسة الاقتراض والديون التي ينتهجها النظام الحاكم، وما سببته من انهيار في قيمة الجنيه مقابل الدولار من نحو سبعة جنيهات عام 2014 إلى 51 جنيهاً تقريباً، وتضاعف أسعار السلع والخدمات العامة أكثر من عشر مرات.
ويقول رئيس لجنة الإسكان في مجلس النواب، محمد عطية الفيومي، إن المجلس لن يقبل بتمرير تعديل القانون في صورته الحالية، ليس فقط بدافع الانحياز إلى شريحة معينة من المستأجرين أو الملاك، ولكن دفاعاً عن مصالح الطرفين معاً، والوصول إلى صيغة متوازنة لا ينحاز فيها التشريع إلى طرف على حساب آخر.
فيما يقول مصدر رفيع في اللجنة، لـ "العربي الجديد"، إن القانون يجب ألا يفرق بين السكان في الأحياء الراقية أو الشعبية، وأن تكون نصوصه عامة يخضع لها جميع المخاطبين بأحكامه، رافضاً الاتهامات الموجهة إلى البرلمان بـ"الانحياز إلى شريحة الأغنياء أو أولاد الذوات"، وإصرار النواب على إصدار تشريع عادل ومتوازن لا يجور على المصريين أو يعرض شريحة منهم للظلم.
ويقضى تعديل القانون في المشروع المنتظر خروجه بصيغة توافقية، بزيادة القيمة الإيجارية الشهرية للأماكن المؤجرة لغرض السكن، شريطة ألا تقل عن ألف جنيه للوحدات السكنية الكائنة في المدن والأحياء، و500 جنيه شهرياً للوحدات السكنية في القرى، وزيادتها سنوياً بنسبة 15% حتى تحرير العقد بين الطرفين بمضي خمس سنوات من تاريخ إصدار القانون.
وتشير مصادر برلمانية إلى مخالفة مشروع الحكومة ما أورده حكم المحكمة الدستورية العليا، في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعدم دستورية مادتين فقط من قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، اللتين تقضيان بعدم جواز زيادة الأجرة السنوية للأماكن السكنية الخاضعة لأحكام قانون الإيجارات القديمة، مؤكدة أن المشروع المطروح على النواب وممثلي الملاك والمستأجرين المقررة دعوتهم إلى مناقشات مفتوحة مع أعضاء البرلمان، لم يتطرق إلى إخلاء العين المؤجرة بعد مرور عدد معين من السنوات، بل حدد فقط اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد الحالي لمجلس النواب تاريخاً لإعمال أثره، بسبب حاجة المشرع إلى مدة زمنية كافية ليختار بين البدائل المتاحة، ويضع ضوابط حاكمة لتحديد الأجرة.
ويذكر رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة مصطفى عبد الرحمن، أن مشروع القانون المقترح مخيب للآمال، لأنه تجاهل مطالب الملاك برفع الظلم الذي وقع عليهم منذ سنوات، مطالباً بوضع حد أدنى 2000 للايجار الشهري بالمناطق الشعبية و4000 جنيه بالمناطق المتوسطة، و8 آلاف جنيه بالمناطق الراقية، على أن تنتهي العلاقة بين المالك والمستأجر القديم خلال 3 سنوات، وتحرير عقود مدنية وفقاً للقانون 1996 الذي حرر العلاقة بين الطرفين وألغى العقود الأبدية، سواء للمساكن أو المحلات التجارية، التي يجب أن يكون حدها الأدنى عند 5000 جنيه وتوفيق الأوضاع خلال سنة واحدة، لتصبح علاقة حرة.
في السياق نفسه، يقول أحمد حسن الذي يملك عقاراً يخضع لأحكام الإيجارات القديمة في حي المطرية بالقاهرة، إنه يجب النظر إلى الملاك بعين العدل لأن الشريحة الأكبر من الرافضين لتعديل القانون هم من المقيمين في وحدات سكنية بإيجار رمزي، والذين يرفضون حق الملاك أو ورثتهم في التمتع بأملاكهم، على الرغم من الزيادة الكبيرة في أسعار الإيجارات السكنية، وكذلك في أسعار جميع السلع الغذائية وخدمات التعليم والصحة. يضيف حسن لـ "العربي الجديد"، أن المستأجر قد يكون مريضاً أو متقاعداً، لكن أيضاً الملاك وأبناؤهم من حقهم العيش بكرامة، ويعانون كغيرهم الأمراض والغلاء وضيق الحال، محذراً من الفتنة التي قد يحدثها التشريع بين فئات المجتمع المختلفة، في حالة صدوره بصورة غير متوازنة أو عادلة.
على الجانب الآخر، تقول جيهان عبد الكريم التي تعول ثلاثة أطفال، بينهم طفل من الأشخاص المعوقين، وتقطن في وحدة بنظام الإيجار القديم في حي الهرم بالجيزة، إن العقد الأصلي يخص والد زوجها، وامتد إليها من الأخير بعد وفاته، والآن هي مهددة بالطرد في الشارع بسبب تعديل القانون المطروح، علماً بأنها لا تملك سكناً بديلاً، وتعمل ممرضة في مستشفى خاص براتب لا يتجاوز خمسة آلاف جنيه شهرياً (أقل من 100 دولار).
وتدعو جيهان المسؤولين في الحكومة ومجلس النواب إلى النظر بعين الرحمة إلى شريحة المستأجرين، والتفريق بين الفئات المستضعفة منهم في المناطق الشعبية، والفئات الأخرى التي تملك أكثر من منزل، ولا تزال متمسكة بوحدتها في العقارات القديمة الكائنة في المناطق الراقية.
ووفق تعداد جهاز التعبئة والإحصاء الحكومي للعام 2017، فإن مصر يوجد فيها ثلاثة ملايين و19 ألفاً و662 وحدة تخضع لأحكام قانون الإيجارات القديمة، منها نحو مليون و879 ألف وحدة سكنية، و575 ألف وحدة للنشاط غير السكني (تجاري وإداري)، وتسعة آلاف و307 وحدات تستخدم للسكن والعمل معاً.
وبلغ عدد الوحدات في المناطق الحضرية نحو مليوني و792 ألفاً و224 وحدة، وفي الريف 227 ألفاً و438 وحدة. وتصدرت العاصمة القاهرة قائمة المحافظات بأكثر من مليون و99 ألف وحدة، تليها الجيزة بإجمالي 562 ألفاً و135 وحدة، ثم الإسكندرية بـ 433 ألفاً و761 وحدة.
وأفادت بيانات الجهاز بوجود 118 ألفاً و835 وحدة مغلقة لسفر الأسرة إلى الخارج، و300 ألف و866 وحدة مغلقة لامتلاك الأسرة مسكناً آخر، وما يزيد على 86 ألف منشأة خالية تخضع لنظام الإيجار القديم، وأكثر من سبعة آلاف وحدة مغلقة بسبب حاجتها إلى الترميم.