الاستشراف مقلوباً

15 ابريل 2025
(رضا درخشاني)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استشراف المستقبل يمنح لذة غامضة، حيث يتوقع المستقبليون أن يصل عمر الإنسان إلى 150 عامًا، معتمدين على اكتشافات طبية ونماذج حياة جديدة.
- النقاشات الحالية حول استصلاح المريخ وتطوير تقنيات زراعية متقدمة تعكس أهمية الخيال في تشكيل المستقبل، خاصة للشعوب المتأخرة في التطور.
- الحلول المثلى تكمن في دولة وطنية يحكمها القانون، حيث يختار الناس ممثليهم بحرية، مما يضمن المساواة والعدالة بعيدًا عن الخصوصيات الثقافية.

من لذائذ هذه الدنيا قراءة المستقبليين، وترك الخيال يسرح مع رؤاهم الاستشرافية، عندما تغوص في ذلك وتتذوّقه، ستشعر أنك غادرت لعالم فوق عالم البشر.
رؤية المستقبل من صفات الآلهة، أو من حبتهم الآلهة بهذه الهبة النادرة. ولذلك يصيب بتلك اللذة الغامضة، وذلك الإحساس بامتلاك معرفة خاصة.
أقرأ لمستقبليين يقولون أن عمر الإنسان سيصل إلى مائة وخمسين عاماً وأن من سيفعلون ذلك هم الجيل الذي سيولد نهاية هذا القرن. يشرحون المعطيات التي جعلتهم يتوقعون ذلك، وينمذجون الاكتشافات طبية، ويرسمون مخططات لنوعية الحياة  ومتوسط الأعمار.
هناك مستقبليون يقولون: لا داعي لإنفاق مبالغ كبيرة لإنشاء مستعمرات زجاجية عملاقة على سطح المريخ. لأننا (أجل في مجتمع المستقبليين يقولون نحن فيما يكون قصدهم النوع البشري وليس الكاثوليك أو الذكور أو الأثرياء أو الشيعة أو البيض) لسنا بحاجة، فلنغير الغلاف الجوي للكوكب الجار، ونجعل منه مكاناً صالحاً للعيش من دون الحاجة للعزل عن محيطه. يتحدثون عن روبوتات تحصد القمح، وقمح بسبعين سنبلة. عن أشجار تثمر ست مرات في العام، وحبة واحدة تشفي السرطان.
هذا هو النقاش الذي يجري في العالم اليوم يحتاجه البشر، لأن المخيّلة التي تحاول استشراف المستقبل هي من تصنع ذاك المستقبل عادةً، وأظن أن أكثر من يحتاج التفكير بعقل استشرافي هو الشعوب التي تأخرت. وفاتها الكثير من مسار التطور.
نحن من تلك الشعوب التي تلكأت عن بناء نفسها عقوداً طويلة.
وبنظرة خاطفة على نقاشاتنا الاستشرافية التي تدور في الفضاء العام الآن، ضمن إطار استعدادنا للمستقبل الذي يصاغ الآن، يمكنك أن تسمع عبارات من قبيل: دمشق أموية، وستعود أموية رغماً عن أنوفكم. سنعيد أمجاد الأجداد، صاغرين، ساحات الوغى، غيابة الجب، خالد بن الوليد حين فتح الشام فعل كذا، معاوية بن أبي سفيان حين حكم دمشق فعل كذا، الأعلون، سنشدّ عضدك بأخيك.
خلال  الأشهر الماضية سمعنا عن نماذج كثيرة تذكر عند الحديث عن المستقبل، فسمعنا من مسؤولين في الإدارة عن سنغافورة ودبي وتركيا، وسمعنا من جمهورهم عن خلافة عمر بن عبد العزيز أو عن خلافة هشام بن عبد الملك، وسمعنا من سوريين عاديين، مجرد مواطنين يحبون بلدهم عن النموذج الذي يريدون: لا داعي لكل هذا النقاش، لقد أنفق العالم قرنين ونصف، ودماءً وأموالاً كثيرة، جرّب وفشل ونجح، ألّف ملايين الكتب، فتح وأغلق ملايين الشركات والهيئات، شكّل ملايين اللجان، قدح ملايين العقول، واستقر في النهاية على نموذجٍ قد لا يكون المثالي، لكنه قريب جداً مما يحتاجه البشر ليعيشوا برضا وسلام.
دولة وطنية يحكمها القانون، يسهر على إنفاذه، وضمان احترامه مجموعة أشخاص، يختارهم الناس جميعاً عبر صندوق انتخاب لفترة زمنية محددة، ثم يذهبون ليختار الناس غيرهم، فلا رقابة على السلطة أفضل من كونها مؤقتة، ويكون جميع الناس بغض النظر عن انتماءاتهم الما قبل وطنية، متساوين في تطبيق هذا القانون، وفي اختيار من يمثلهم لتطبيقه.
لا يحتاج الأمر منّا أن نعيد اختراع شيء، ولا ان نتذرع بالخصوصية وبالحساسية، فلكل الشعوب خصوصياتها وحساسياتها، وقديماً قالوا: لكل مشكلة حلّان: البسيط والخاطئ.

المساهمون