إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية... تأثيرات محدودة على الواقع الفلسطيني (11)

17 مارس 2025
رفض الفلسطينيون شروط USAID مبكراً، فبراير 2020 (عباس المومني/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأثير إغلاق USAID على فلسطين: لم يكن للإغلاق تأثير كبير مقارنة بوقف التمويل في عهد ترامب، حيث أعاد بايدن التمويل لقطاعات غير ذات أولوية. تأثر حوالي 2500 موظف فلسطيني يعملون في مشاريع مدعومة من الوكالة.

- التمويل المشروط وبرامج التطبيع: استثمرت USAID أكثر من 600 مليون دولار منذ 2021، نصفها لبرامج تطبيع تتطلب شراكة إسرائيلية، مما يعمق التبعية الفلسطينية للاقتصاد الإسرائيلي.

- موقف المجتمع المدني الفلسطيني: قاطعت مؤسسات فلسطينية تمويل USAID منذ عام 2000 بسبب شروطها السياسية، معتبرة أن التمويل يعمق التبعية بدلاً من تعزيز الاستقلال.

لم يكن لقرار الإدارة الأميركية الحالية إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية (USAID) الأثر ذاته الذي أحدثه إعلان وقف تمويلها في فلسطين، خلال الفترة الأولى للرئيس دونالد ترامب، فالرئيس السابق جو بايدن أعاد التمويل إلى قطاعات ليست ذات أولوية، فضلاً عن عدم تضرر مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية، ومعظمها لا تحصل على تمويل من الوكالة، أو بالأحرى ترفضه نظراً لشروطه السياسية. رغم ذلك، يؤثر القرار الأخير على فلسطينيين يعملون في مشاريع ومؤسسات تتلقى دعماً من الوكالة.
وبسبب إغلاق موقع الوكالة وإخفاء البيانات عن الإنترنت، رجعنا إلى البيانات الصحافية التي نشرتها الوكالة الأميركية؛ ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أعلنت أنها استثمرت أكثر من 600 مليون دولار في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 2021، على شكل تمويل ودعم للشعب الفلسطيني، إضافة إلى 2.1 مليار دولار على شكل مساعدات إنسانية، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لكن تلك الأرقام لا تقول كل شيء عن الواقع، ففي ورقة بحثية لمرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية، نشرت في يونيو/حزيران 2024، بعنوان "مشاريع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية: تمويل بشروط نفي الانتماء الوطن"، يتبين أن نصف المبلغ المرصود من الوكالة للفلسطينيين، وهو 500 مليون دولار وفقاً للورقة البحثية، جرى تخصيصها "ضمن برامج التطبيع والسلام الزائف"، ومن بينها "تخصيص 250 مليوناً لبرامج السلام وحل النزاعات".

نصف المبلغ المرصود من الوكالة للفلسطينيين خُصص لبرامج تطبيع

وتشير الورقة البحثية إلى أن "الوكالة تدير برنامجين تطبيعيين، الأول صغير نسبياً بقيمة 7 ملايين دولار، في إطار برنامج المدارس والمستشفيات الأميركية في الخارج، ويستهدف مستشفيات في الضفة الغربية وإسرائيل، والثاني بقيمة 250 مليوناً، ولمدة خمسة أعوام، في إطار صندوق (نيتا لوي) لشراكة الشرق الأوسط من أجل السلام"، ويتبين من المنح التي قدمها الصندوق أن مؤسسات إسرائيلية نفذت عدداً من البرامج المخصصة للفلسطينيين، مثل جمعية التفاح الإسرائيلية، ومركز بيريس، وجمعية أصدقاء مركز إديث ولفسون الطبي، أي إن الأموال لا تذهب كلها للفلسطينيين، بل يذهب جزء كبير منها لجهات إسرائيلية.
ويؤكد معد البحث، فراس جابر، لـ"العربي الجديد"، أن "القطاعات التي يستهدفها البرنامج التطبيعي هي التكنولوجيا وريادة الأعمال والصحة والشباب والمرأة، وهو يشترط وجود طرف إسرائيلي في المشاريع الممولة. ما جرى صرفه فعلياً من الأموال المرصودة لا يتعدى 250 مليون دولار، أي قرابة نصف المبلغ المعلن، إذ تراجع تنفيذ المشاريع بعد العدوان على قطاع غزة، والمبالغ المسماة (مساعدات إنسانية) تعود في معظمها إلى مساهمات وزارة الخارجية الأميركية في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، وأمور أخرى كالطرود الغذائية التي كانت تلقى من الطائرات العسكرية فوق غزة".

وقفة في رام الله ضد USAID، سبتمبر 2011 (عباس مومني/فرانس برس)
وقفة في رام الله ضد USAID، سبتمبر 2011 (عباس المومني/فرانس برس)

ويقدر جابر أن قرابة ألف موظف في مشاريع مدعومة من الوكالة الأميركية للتنمية تأثروا بقرار إغلاقها، بينما يقول عضو اللجنة التنسيقية لشبكة المنظمات الأهلية مدير مركز بيسان للبحوث والإنماء، أبي العابودي لـ"العربي الجديد"، إن "المعطيات التي لدينا تشير إلى وجود قرابة 2500 موظف في مؤسسات تتلقى تمويلاً من الوكالة الأميركية، ما يعكس إغلاقها على الدورة الاقتصادية الفلسطينية".
ويشير العابودي إلى أن "الأثر الأهم سيكون على المؤسسات الدولية العاملة في فلسطين، والتي تتلقى تمويلاً من USAID، مثل مؤسسة أنيرا، والمجلس النرويجي للاجئين، وبرنامج الغذاء العالمي، وكلها تقدم مساعدات في فلسطين. لكن التقديرات تشير إلى أن أثر وقف الوكالة هذه المرة أقل من المرة الأولى التي جرت في الدورة السابقة لترامب".
ويقول فراس جابر إن "الوكالة كانت تركز قبل عام 2018 على مشاريع البنية التحتية، والطرق والمياه والكهرباء، أي إن المواطن العادي يلمس أثر مشاريعها، وكانت تدعم بلديات ومؤسسات حكومية، لكن في الفترة اللاحقة، لم تعد تهتم بالبنية التحتية، بل ركزت على التطبيع، وعلى القطاع الخاص، والمشاريع الريادية، وكان من ضمن المستفيدين شركات في قطاعات مثل التكنولوجيا والشباب".
ولم تتأثر معظم مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية بقرار إغلاق الوكالة، خصوصاً تلك المنضوية في شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، والتي قاطعت تمويل USAID منذ عام 2000، عقب فرض شروط سياسية، من بينها نبذ الفصائل الفلسطينية تحت ذريعة الإرهاب، وفرض تقديم قوائم لكل المستفيدين من البرامج، كي تمر على الفحص الأمني الأميركي. يقول العابودي: "هذا فحص إسرائيلي بين قوسين. أدركنا هذا الخطر مبكراً، وأطلقنا بيان مقاطعة للوكالة وتمويلها بسبب هذه الشروط السياسية".

في حين، يقول جابر: "المجتمع المدني الفلسطيني نجح إلى حد كبير في عزل الوكالة عن المجتمع الفلسطيني، وأصبح تمويلها محصوراً على بعض الجهات كالحكومة والبلديات، وقسم من القطاع الخاص الفلسطيني، والذي تورط جزء منه في توجهات التطبيع والتمويل المشروط، لذا الأثر الأساسي لوقف التمويل يكون على الموظفين العاملين في المشاريع المدعومة من الوكالة، أكثر من كونه تأثيراً اقتصادياً حقيقياً".
أما العابودي، فيشير إلى أن "قراءة المؤسسات الأهلية الفلسطينية لتمويل الوكالة تكشف أنها في جوهرها لا تخدم الاستقلال الفلسطيني، أو المصلحة الوطنية الفلسطينية، بل هي مشاريع تعمل على تعميق التبعية الفلسطينية للاقتصاد الإسرائيلي، وقطاع التكنولوجيا كمثال، عملت الوكالة منذ عام 2000 على ربطه بالشركات الإسرائيلية، بدلاً من إنشاء قطاع تكنولوجي فلسطيني مستقل".
ويضرب العابودي مثالاً آخر بقطاع الزراعة، وبشكل خاص المزارعين الكبار الذين حصلوا على مشاريع ومنح متعددة كانت تربط بين المزارعين الفلسطينيين والشركات الإسرائيلية، بدلاً من تشجيع إنتاج السوق المحلي الفلسطيني. ويقول: "كان لذلك أثر على تقليص التطور، وتقليص القدرة على بناء اقتصاد مستقل، فالاقتصاد المستقل يعني سياسات مستقلة". ويضيف: عند النظر إلى آثار غلق الوكالة الأميركية للتنمية، قد يخرج المتفحص بنتائج متناقضة، من ناحية هناك آثار على الموظفين، وربما توقف مشاريع، ومن ناحية أخرى فإن ذلك الدعم كان محصوراً بقطاعات ليست ذات أولوية، بل ينظر إليها البعض على أن لها آثاراً سلبية، بينما قد يدفعها وقف التمويل المشروط إلى البحث عن بدائل".

المساهمون