أولى روايات الحرب بعيون غير لبنانية

12 ابريل 2025
يلتقط الكاتب الكويتي الراحل سرديات المحاصَرين في زمن ما قبل الحرب
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- "الشياح" لإسماعيل فهد إسماعيل تُبرز تأثير الحصار على الذات البشرية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حيث تتفجر الوحشية بين أبناء الوطن الواحد، مما يخلق مناخًا من الشك والعداء.
- الرواية، الصادرة في 1976، تسلط الضوء على سرديات المحاصرين في الشياح، حيث يهددهم قناص، مما يدفعهم للتكاتف في محاولة للبقاء على قيد الحياة، رغم انقطاع الأمل بوقف إطلاق النار.
- تميزت الرواية بتركيزها على البعد الإنساني في ظل الحصار، متجاوزة الكراهية والانتماءات الطائفية، مما جعلها علامة فارقة في الأدب العربي.

يمكن استعادة اللحظات التي تصوّرها أول رواية كُتبت عن الحرب الأهلية اللبنانية، وهي "الشياح" للروائي الكويتي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل (1940 – 2018)، من خلال زاوية التفكير في الحصار وتداعياته على الذات البشرية، حين تصطدم شخصياتها بالعنف غير المتوقع الذي يتفجر فجأة بين أبناء الوطن الواحد، فيفسح المجال للوحشية أن تسجيهم على مذبحها.

يلتقط الكاتب في هذه الرواية الصادرة مبكراً جداً (دار الآداب/ 1976)، في عز ما يعرف بـ"حرب السنتين"، سرديات المحاصَرين في زمن ما قبل الحرب، فيضيء على خراب المجتمع، حيث الجميع غارق في الإلحاح على ضرورة ألا يسمح للآخرين بتهديد حياته الشخصية أو الاستيلاء عليها، وأن يحافظ على منبته الديني أو الطائفي أو الوطني دون أن يتعرّض للإهانة أو الأذى. وفي مثل هذا المناخ، يصبح الجميع موضع شكّ، ويُنظر إليهم أعداء محتملين!

لكن السرداب الضيّق الذي اجتمعت فيه شخصيات المحاصرين في محلة الشياح (الفاصلة بين ضاحية بيروت الشرقية وضاحيتها الغربية) يقودها إلى مصير مختلف، فهُم جميعاً يهدّدهم قناص لا همّ له سوى أن يقطع الطريق حتى وإن كلّفه ذلك الفتك بكلّ العابرين، وتحت وطأة الحاجة لمقومات البقاء على قيد الحياة، يغامر الأفراد كي يحصلوا على ما يعزّز صمود الجميع، ويصل بهم الأمر إلى التكاتف في محاولة القضاء على القنّاص. وهكذا يخوض الرجال عملية قتالٍ دموية دون أن يظهر بصيص أمل بالنجاة، رغم تصريحات إخبارية ينقلها لهم جهاز راديو بائس، تضعف بطارياته التي تشارف على الانتهاء، ما يعني انقطاع الأمل بخبرٍ عاجل عن وقف إطلاق النار.

ربما كان إسماعيل فهد إسماعيل قد شعر بأن هذه اللقطة التي اقتنصها من مشهدية الحرب الأهلية اللبنانية بعد نحو عام من اندلاعها، تكفي لأن يدرك القارئ حجم الكارثة الإنسانية، بغض النظر عن الجدالات حول المتسبّب في كل هذا، ولهذا وجد أن تدفقات روايته يجب أن تقف عند هذا الحد دون أن يخوض في التفاصيل في 160 صفحة. ولم تتأخر الروايات اللبنانية عن الحرب كثيراً بعد تاريخ إصدار هذه الرواية، وقد خاض الروائيون في الكثير مما سكت عنه إسماعيل، غير أن أهميتها قد تتجاوز مسألة أنها الرواية الأولى التي تتحدث عن الحرب، فهي، إضافة إلى ذلك، تحاول تغليب البعد الإنساني، في ثيمة الحصار على كل ما يمكنه أن يكرس الكراهية بتأثير أولوية الانتماء على ما سواه. 

*شاعر وناقد سوري
المساهمون