أزمة الجزائر ودول الساحل... مهاجرون يخشون الترحيل

15 ابريل 2025
مهاجرات في أحد شوارع الجزائر، 11 ديسمبر 2022 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشعر المهاجرون من مالي ودول الساحل في الجزائر بقلق متزايد بسبب التوترات السياسية بين الجزائر ومالي، مما يدفعهم لتجنب الظهور في الأماكن العامة خوفاً من الترحيل.
- تدهورت فرص العمل للمهاجرين، حيث يتجنب أصحاب الحقول والورش تشغيلهم خوفاً من العقوبات، مما يزيد من معاناتهم ويدفع بعضهم للتفكير في الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
- تشير تقديرات جزائرية إلى أن السلطات تتعامل مع ملف الهجرة بشكل منفصل عن الأزمة السياسية، حيث تركز عمليات الترحيل على الحفاظ على الأمن الداخلي.

يشعر المهاجرون من مالي وغيرها من دول الساحل المقيمون في الجزائر بقلق كبير بسبب ما آلت إليه العلاقات السياسية، وسط مخاوف من أن تطاولهم تداعيات الأزمة التي بدأت في بداية الشهر الجاري، في أعقاب إسقاط الجيش الجزائري طائرة مسلحة تتبع الجيش المالي اخترقت الأجواء الجزائرية.
وفي الأيام الأخيرة، بات هؤلاء المهاجرون يتجنبون الظهور في الساحات العمومية وشوارع المدن الجزائرية، على عكس الفترة السابقة التي كانوا يقومون فيها بالتبضع بحرية من الأسواق، وذلك خشية القبض عليهم من طرف الأمن الجزائري، وترحيلهم إلى بلدانهم، خاصة في ظل حملات افتراضية استهدفتهم خلال الفترة الأخيرة، رغم أن السلطات الجزائرية لم تبد أي خطوة في اتجاه الترحيل، وتتعامل مع الأزمة في مستواها السياسي والأمني من دون أن تدرج ملف المهاجرين ضمن سياقاتها.
بوجه عبوس وملامح تعبر عن القلق، يتحدث المهاجر المالي مامادو مايقا (40 سنة)، عن قلق ينتابه وأقرانه الذين يعملون في حقل زراعي بمحافظة تيبازة قرب العاصمة الجزائرية، ويقول: "نشعر بالقلق، لا يمكن أن أخفي ذلك. نتخوف من أن نكون ضحايا لهذه الأزمة بين البلدين، ونعيش في مأزق نفسي بسبب هذه الأزمة، بين الانتماء إلى مالي بلدنا، وبين الامتنان للجزائر التي تحتضننا، ونعيش فيها بأمان. نعامل بطريقة جيدة، ونحظى باحترام من الجزائريين، وفتحت لنا أبواب الشغل في مجال الفلاحة لضمان قوت يومنا، وجمع بعض الأموال التي تساعدنا في الوصول إلى أوروبا. السلطات الجزائرية لم تقم بأي شيء مقلق بالنسبة للمهاجرين من مالي ودول الساحل في الوقت الحالي، لكننا قلقون".
بدوره، ينتاب القلق المهاجر أحمدو (36 سنة)، وهو من مالي أيضاً، ويقول: "كنت أداوم على صلاة التراويح في المسجد طوال شهر رمضان، لكني اليوم لا أستطيع الولوج إلى المساجد خشية المشاكل، وتجنباً للترحيل الذي أصبح هاجساً كبيراً. لا أريد العودة إلى نقطة الصفر. بعض الجزائريين من أصحاب الحقول والورش أصبحوا يرفضون تشغيلنا في الفترة الأخيرة على عكس السابق، خوفاً من أن تعاقبهم السلطات بسبب تشغلينا غير القانوني، خاصة أن السلطات كانت وجهت حتى قبل الأزمة إنذاراً للمؤسسات والمقاولين والمستثمرين بفرض عقوبات في حالة تشغيل من لا يملكون وضعاً قانونياً، وهو ما عقد من أوضاع لاجئين كانوا يتخذون هذه المؤسسات كمكان للعمل والمبيت".
وتبدو بعض ورش البناء والحقول التي كان يعمل فيها عشرات المهاجرين الأفارقة خالية على عروشها، بعد تداول مزاعم وشائعات حول قرار جزائري بترحيلهم، إذ اختفى عشرات المهاجرين، أو غادروا إلى وجهات غير معلومة.

أطفال مهاجرون في البليدة الجزائرية، 17 ديسمبر 2022 (الأناضول)
أطفال مهاجرون في البليدة الجزائرية، 17 ديسمبر 2022 (الأناضول)

في منطقة سهل متيجة، يستعين المزارعون بالمهاجرين من دول الساحل للعمل في جني محصول الفراولة لتعويض نقص العمال الجزائريين الذين أصبحوا يرفضون العمل في هذا المجال، لكن الأزمة الأخيرة خلقت مشاكل كبيرة بسبب اختفاء المهاجرين من المنطقة خوفاً من مداهمات الدرك الجزائري، مع تداول شائعات حول قرار ترحيل جماعي للمهاجرين غير النظاميين.
وبين فترة وأخرى، تقوم السلطات الجزائرية بحملة ترحيل، ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد في اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة السبع في إيطاليا، أن الجزائر نجحت في إعادة نحو 80 ألف مهاجر إلى بلدانهم عبر تنفيذ خطط قانونية وإنسانية وتنموية، وعبر الوزير عن قلق بلاده من المخاطر المرتبطة بالهجرة السرية، ومحاولات استغلال أطراف لهذه الظاهرة لضرب استقرار الجزائر عبر شبكات إجرامية تعمل في مجال تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، بعضها مرتبط بجماعات إرهابية، أو بعصابات الجريمة المنظمة في منطقة الساحل الأفريقي.
في محافظة تيبازة غرب الجزائر العاصمة، يترقب أبو بكر أمادة (30 سنة) القادم من النيجر، ما ستظهره الأيام القادمة من تطورات، ويقول لـ"العربي الجديد": "عشت فترة هادئة سابقاً، وكنت أعمل في ورشة بناء بمنطقة أحمر العين (80 كيلومتراً غربي العاصمة الجزائرية)، رفقة العشرات من المهاجرين، وكنا نتوجه مساءا لشراء المستلزمات اليومية بطريقة عادية، وكانت مصالح الدرك تداهم المنطقة من حين لآخر، لكن من دون اتخاذ إجراءات ترحيل، غير أن الوضع تعقد في الأيام الأخيرة. حتى الآن لم يحدث شيء، لكننا خائفون من توقيفنا على خلفية الأزمة القائمة، لذا نفضل عدم الظهور لتفادي أي خطر، وربما سنكون مضطرين إلى الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا بدل البقاء في الجزائر".

بدوره، يرى المهاجر عصمان القادم من تشاد، أن الوضع الذي يعيشه المهاجرون الأفارقة هذه الأيام متكرر الحدوث. ويقول لـ"العربي الجديد ": "لا تقلقني هذه الأوضاع، فقد اعتدنا على المطاردات، ومنذ أن قررت الهجرة إلى الجزائر كنت مستعداً لكل الظروف والاحتمالات ضمن الصراع لتحسين وضعي، سواء نجحت في الوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط أو بقيت في الجزائر. الكثير من الأفارقة تسببوا في مشاكل مع جزائريين، وأنا ضد ما يفعلون، فنحن هنا لكسب لقمة العيش والبحث عن حياة أفضل بعد هروبنا من الجحيم الذي عشناه في بلداننا بسبب الفقر والحروب والمجاعة. الأزمة الأخيرة قد تخلط كل تفاصيل حياتنا، لكنني لست قلقاً بعد".
وتقلل تقديرات جزائرية من مخاوف المهاجرين الذين يربطون أوضاعهم بالأزمة السياسية الراهنة، ويؤكد مختصون أن السلطات تتعامل مع ملف الهجرة من دول الساحل والصحراء المقيمين بطريقة غير قانونية خارج سياق الأزمة الحالية مع مالي والنيجر وبوركينافاسو، وأنها لن تبادر بأي رد فعل تجاه المهاجرين على خلفية الأزمة.
يقول المختص في قضايا الهجرة، فيصل زغدار، لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أن الحكومة الجزائرية ستعمد إلى أي خطوة بحق المهاجرين ربطاً بالأزمة الحالية، ولن تخلط بين الدوافع الإنسانية وبين الموقف السياسي، والسلطات قامت في السابق بعمليات ترحيل للمهاجرين قبل الأزمة، وستقوم بذلك بعد الأزمة، ما يعني أن معالجة ملف المقيمين بطريقة غير نظامية لا علاقة له بالأزمة، وإنما بظروف ومعطيات الحفاظ على الأمن والسلم الداخلي، حتى لا يتحول المهاجرون إلى معضلة أمنية، وقبل أيام، كان هناك اجتماع جزائري تونسي ليبي في إيطاليا حول هذا الملف".

المساهمون