استمع إلى الملخص
- تعود المشكلة إلى التدخلات السياسية التي تعرقل استئناف عمل المفوضية واختيار أعضائها، حيث تسعى الأحزاب لضمان تمثيلها، مما يعيق تشكيل مفوضية مستقلة ويؤدي إلى توقف عملها بالكامل.
- غياب المفوضية خلق فراغاً رقابياً خطيراً في الدفاع عن حقوق الإنسان، حيث يُنظر إليه كعقاب سياسي بسبب مواقفها الداعمة لحرية الرأي والتعبير وحق التظاهر السلمي.
لم تنجح الحكومة العراقية في التوصل إلى حل ينهي الخلاف السياسي بين الأحزاب والقوى داخل البرلمان، لاستئناف عمل المفوضية العليا لحقوق الإنسان واختيار الأعضاء المفوضين فيها منذ أربع سنوات، كما أخفقت كل الجهود المدنية ودعوات منظمات المجتمع المدني في الضغط على الكيانات السياسية لتخليص المفوضية من السيطرة الحزبية التي لا تقبل بأن تكون الهيئة مستقلة، ما عطّل اختيار مجلس الأمناء الخاص بالمفوضية التي انتهت ولايتها في 20 يوليو/تموز 2021.
وأدى تعطيل عمل مفوضية حقوق الإنسان، إلى خلو تام لمؤسسة مستقلة تراقب الملفات والقضايا الإنسانية، ليفقد العراق بذلك تصنيفه العالمي في مجلس مؤسسات حقوق الإنسان العالمية، ما جعله ممنوعاً من المشاركة في مراقبة قضايا حقوق الإنسان في العالم، مع فقدانه القدرة على كتابة التقارير المهمة إلى مفوضية حقوق الانسان الدولية من خلال المفوضية العراقية المعطلة.
ويعود أساس المشكلة إلى القوى السياسية العراقية التي لا تريد للمفوضية أن تستأنف عملها واختيار تشكيلة أعضاء مجلس المفوضية والبالغ عددهم 11 عضواً ورئيساً للمفوضية. وترتب على هذا توقف عمل مفوضية حقوق الإنسان العراقية التي تضم إلى جانب مجلس الأمناء فيها، أكثر من 500 عضو رصد في عموم مكاتبها بالمحافظات العراقية، كما أن عدم قيام البرلمان ورئاسة الجمهورية بإصدار قرار انفكاك المجلس الحالي للمفوضية، للعودة إلى وظائفهم السابقة، جعلهم عالقين.
وتعد مفوضية حقوق الإنسان في العراق، إحدى الهيئات المستقلة التي تأسست في عام 2008، وترتبط عملياً بالبرلمان، مثل الهيئات المستقلة الأخرى، على غرار هيئة الإعلام والاتصالات ومفوضية الانتخابات وهيئة النزاهة، وتتولى مهمة رصد الانتهاكات الحقوقية في البلاد، وتلقي الشكاوى والتحقيق فيها، ورفع الدعاوى القضائية ضد المتورطين بجرائم العنف المختلفة، ومراقبة عمل السجون ومراكز الإصلاح، وأداء عمل المؤسسات الأمنية والعسكرية في الجانب الحقوقي. لكنها واجهت خلال العامَين الأخيرَين قبل انتهاء عملها، اتهامات عديدة تتعلق بالتقصير في رصد الانتهاكات، خصوصاً عقب تفجر الاحتجاجات الشعبية في البلاد (أكتوبر/تشرين الأول 2019).
وسبق أن طالبت منظمات المجتمع المدني في البلاد، وأعضاء في مجلس النواب من ضمنهم العضو المستقل حميد الشبلاوي، بإنهاء أزمة عدم وجود مفوضية حقوق إنسان في العراق. ووجه الشبلاوي خطاباً إلى رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، للتدخل ومنع التدخلات السياسية في اختيار مفوضية حقوق الإنسان العراقية الجديدة، وقال إن "المفوضية انتهى عملها في عام 2020 وتسبّب ذلك بأزمة دولية على اعتبار أن العراق فقد التمثيل بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومجلس حقوق الإنسان للدول العربية".
وأشار إلى "غياب مفوضية حقوق الإنسان العراقية عن الانتهاكات الحقوقية في البلاد، وأن القوى السياسية تتدخل اليوم بعمل مجلس النواب وتريد اختيار أعضاء مجلس المفوضين لحقوق الإنسان، وكأن المفوضية حزبية وغير مستقلة"، مطالباً بـ"التدخل وحسم مفوضية حقوق الإنسان من دون تدخل حزبي وتكون مفوضية مستقلة غير متحزبة".
في السياق، قال عضو سابق في مفوضية حقوق الإنسان لـ"العربي الجديد"، إن "عدم استئناف عمل المفوضية من جديد، متعمد من الأحزاب لسببين؛ الأول هو عدم اتفاق الأحزاب على التشكيلة الجديدة، خصوصاً مع ضغط منظمات المجتمع المدني للإبقاء عليها كما جاء في قانونها، وهو أن تبقى مستقلة بعيدة عن الأحزاب، والسبب الثاني هو معاقبة المفوضية جرّاء مواقفها المهمة في إسناد وتأييد حركات الاحتجاج وتحديداً تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019".
وأوضح أن "وزارة العدل حالياً تعد هي الجهة التي أوكلت إليها مهمة إدارة المفوضية مؤقتاً مع العلم أن الوزارة غير قادرة على إدارتها بسبب الملفات الشائكة في قضايا حقوق الإنسان، بل إن وزير العدل خالد شواني طالب أكثر من مرة بحل أزمة المفوضية".
وفي أكثر من مناسبة، أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، حرص حكومته على تطبيق مبادئ حقوق الانسان ودعم الحريات، وذكر في بيان سابق أن "حكومته تدعم منظمات المجتمع المدني وبرامج المنظمات الدولية الإنسانية العاملة في العراق، وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان ودعم الحريات وتعويض الضحايا"، لكن رغم ذلك لم تتقدم الحكومة ولا خطوة واحدة في ملف مفوضية حقوق الإنسان.
من جهته، أشار عبدالمنعم وسام، وهو مسؤول ملف حقوق الإنسان في مركز الرشيد للتنمية، إلى أن "غياب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق منذ يوليو 2021 ترك فراغاً رقابياً خطيراً في ميدان الدفاع عن حقوق الإنسان"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الغياب لم يكن محض صدفة أو نتيجة خلل إداري، بل بات يُنظر إليه بوصفه عملية ممنهجة للعقاب السياسي تجاه المفوضية بسبب مواقفها التي ساندت حرية الرأي والتعبير وحق التظاهر السلمي، وواجهت علناً الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف في السلطة خلال وبعد الانتفاضة الشعبية في أكتوبر عام 2019".
وأكمل وسام أن "غياب المفوضية تسبب في فقدان العراق لتمثيله في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ما أثر سلباً على قدرته في الدفاع عن حقوق الإنسان على الساحة الدولية"، وأضاف "أن تأخر تشكيل مجلس مفوضين جديد يعود إلى الخلافات السياسية بين الأحزاب العراقية، إذ تسعى كل جهة إلى ضمان تمثيلها في المفوضية... رغم أن لجنة الخبراء في مجلس النواب أكملت إجراءات استقبال المرشحين، إلا أن التصويت النهائي لم يجر بسبب عدم التوافق السياسي وهذا اخلال واضح وسافر باستقلالية المفوضية التي يجب أن تؤدي دوراً رقابياً وفق الدستور والقانون".
أما الناشطة العراقية صفا الطيار، فقد بيَّنت أن "المفوضية كشفت عن انتهاكات تقوم بها فصائل مسلحة وجهات سياسية، لذلك أُضعفت استقلاليتها وأُبعدت وتعمدت الأحزاب تغييبها عبر تأخير التصويت على أعضاء جدد بعد انتهاء الدورة البرلمانية السابقة، كما أن قادة النظام السياسي عموماً، يريدون تحويل كل المنافذ المعنية بحقوق الإنسان إلى شكلية وغير مزعجة أو لديها دور حقيقي"، مستكملة حديثها مع "العربي الجديد"، أن "النظام السياسي إلى مرحلة خطيرة، وصار يريد إسكات الجميع ولا يتلقى أي نقد سواء كان خارجياً أو داخلياً، ولهذا وجود المفوضية والمنظمات الأخرى على نحوٍ فاعل، ليس مهماً لإيجاد الحلول فحسب، وإنما لمنع الكوارث التي قد تحدث للناس".