استمع إلى الملخص
- الجنرال إيال زامير، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، استأنف القتال في غزة بهدف دفع حماس نحو صفقة تبادل الأسرى، لكنه يواجه انتقادات لاعتبار البعض أن القتال يخدم مصالح سياسية ويعرض الأسرى للخطر.
- التأثيرات الداخلية والخارجية تشمل موقف إدارة ترامب والداخل الإسرائيلي، حيث يمكن للمستشار القانوني والمحكمة العليا والجمهور تغيير الوضع، مما يبرز الحاجة لوقف القتال وإطلاق الأسرى.
يوحي الاعتقاد السائد في إسرائيل حاليًّا بأنّ التقدّم إلى الأمام في صفقة تبادل الأسرى، ووقف حرب الإبادة في قطاع غزّة هو مسألة جدولٍ زمنيٍ. وتعود خلفية هذا الاعتقاد إلى توقع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب السعودية للمرّة الأولى في ولايته الحالية خلال مايو/أيّار المقبل، وتترقب هذه الأخيرة منه أن ينهي الحرب في قطاع غزّة، أو على الأقلّ أن يجدّد وقف إطلاق النار المؤقت بحلول موعد الزيارة.
إلى ذلك يضيف أصحاب هذا الاعتقاد أن الإدارة الأميركية تأمل، في الوقت عينه، في أن يكون بإمكانها هذه المرّة أن تدخل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في مسارٍ لا يمكنه الخروج منه، إذ ستمارس عليه ضغوطًا كافيةً بعد وقف الحرب لن تمكّنه من تحمّل تكلفة العودة إلى القتال. بناءً عليه؛ وإلى أن يحين ذلك، وتكون الصورة أوضح، فإنّ الحرب ستستمر، ولا يظهر أنّ نتنياهو سيتخلّى عن هدفها المعلن: إسقاط حكم حركة حماس في غزّة. ويتعزّز التقدير بأنه يخشى أن يؤدي التخلي عن ذلك إلى إسقاط حكومته من جانب شركائه الائتلافيين في اليمين المتطرف، ردًا على "تنازله" هذا.
ووجّهت هذه الجهات انتقاداتٍ حادةً إلى تصريحات رئيس هيئة الأركان العامة، التي زعم فيها أنّ العملية في غزّة لا تُعرّض الأسرى إلى الخطر
ينبغي التنبيه هنا إلى أنّ ثمّة اعترافاتٍ إسرائيليةً صارخةً بأنّ إسرائيل، وليست حماس، هي من بادرت إلى ارتكاب انتهاكاتٍ جوهريةٍ لاتّفاق وقف إطلاق النار، منذ منتصف يناير/كانون الثاني 2025، فلم يبدأ نتنياهو المفاوضات بشأن استمرار الاتّفاق في اليوم السادس عشر للهدنة، كما كان مقررًا، وعلّق إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وامتنع عن إخلاء محور صلاح الدين (فيلادلفي) كما تعهّد في الاتّفاق، وفي نهاية المطاف استأنف القتال في الثامن عشر من مارس/آذار 2025، عبر غاراتٍ جويةٍ كثيفةٍ.
غير أن استئنافه القتال جرى بمباركة قيادة الجيش الإسرائيلي، التي استُبدلت قبل فترةٍ وجيزةٍ. وبموجب تقارير إسرائيليةٍ متطابقةٍ، فإن رئيس هيئة أركان الجيش العامة الجديد، الجنرال إيال زامير، هو مَن بادر إلى استئناف القتال، ودفع نحوه، ويقوده، بل تؤكّد بعض التقارير عدم صدور أيّ أمرٍ من الأعلى، أي من المستوى السياسي، لتوجيه قوات الجيش الإسرائيلي إلى الانطلاق.
أمّا المبرر الجوهري، الذي يصرّح به زامير، فمفاده أن استئناف القتال له هدفٌ واحدٌ: دفع حماس نحو صفقةٍ، أيّ أنّه يعمل بعكس الشُبهات الموجهة إلى نتنياهو بأنّه يعارض الصفقة، ويريد استمرار الحرب فقط، ويلمّح إلى إقامة نظامٍ عسكريٍ في غزّة، يُرضي اليمين المتطرف. ويدّعي رئيس هيئة الأركان نفسه، والناطقون باسمه في الجيش، وممثلوه في مختلف وسائل الإعلام، بأنّ الأمر يتعلق بعمليةٍ هدفها الوحيد هو إعادة جميع الأسرى إلى ديارهم.
كذلك استعاد بعضهم ما أعلنه زامير على رؤوس الأشهاد عند تسلمه منصب رئيس هيئة الأركان العامة "أن عام 2025 سيكون عام حربٍ"، وبخلاف سلفه، هرتسي هليفي، فإنّه سيحسم المواجهة ضدّ حماس، وسيقيم إدارةً عسكريةً في قطاع غزّة، وسيتحمّل المسؤولية عن المساعدات الإنسانية، وسيسعى إلى تغيير حكم حماس. إذ رأى هؤلاء أن زامير قد كسب في لحظةٍ ثقة نتنياهو، مع ولاءٍ كاملٍ والتزامٍ شخصيٍ لرئيس الحكومة، وأمسى ينفّذ أوامره كَدُمْيَةٍ تتحرك بالخيوط، ويغطّي على مصلحة نتنياهو الشخصية في استمرار الحرب لأهدافٍ سياسيةٍ.
بناءً عليه، بالوسع إجمال التداعيات التي ترتبت على هذه المستجدات في ما يلي:
أولًا؛ يبدو حتى الآن؛ أنّ الجنرال زامير قد مُني بقدرٍ كبيرٍ من الفشل في محاولة الإقناع بمبرّره الجوهري لاستئناف القتال ضدّ قطاع غزّة (إعادة الأسرى الإسرائيليين)، وأدى ذلك إلى نشر رسائل احتجاجٍ ضدّ استمرار الحرب من طرف ضباطٍ وجنودٍ في سلاح الجو، وفي وحداتٍ عسكريةٍ عديدةٍ أخرى، يعربون فيها عن اعتقادهم بأنّ الحرب في هذه المرحلة تخدم مصالح سياسية وشخصية، ولا تخدم أهدافًا أمنيةً صرفه. كما أنّ استمرار القتال لن يحقق أيّ هدفٍ من أهدافه المعلنة، بل سيؤدي إلى مقتل أسرىً وجنودٍ ومدنيين أبرياء. ويعربون عن القلق من تآكل حافز جنود الاحتياط، وارتفاع نسب الغياب عن الخدمة العسكرية، ويصفونها بأنّها "ظاهرةٌ مقلقةٌ للغاية".
إن رئيس هيئة أركان الجيش العامة الجديد، الجنرال إيال زامير، هو مَن بادر إلى استئناف القتال، ودفع نحوه، ويقوده، بل تؤكّد بعض التقارير عدم صدور أيّ أمرٍ من الأعلى، أي من المستوى السياسي
في البداية ردّ رئيس هيئة الأركان العامة وقائد سلاح الجو بحدّةٍ على رسالة ضباط وجنود هذا السلاح الأخير، وأقدما على إقصاء الموقّعين عن خدمة الاحتياط، لكن ذلك لم يؤدِّ سوى إلى إشعال مزيدٍ من الرسائل التي قد تتحول، بتعبير أحد محللي الشؤون الأمنية، إلى بحرٍ واسع، "وإذا ما علَت أمواجه، فإنّ استبعاد جميع الموقّعين عن الخدمة قد يُلحق ضررًا بالغًا بالجهوزية العملياتية للجيش الإسرائيلي، وهو ما قد يضع زامير في زاويةٍ أشدّ تهديدًا".
ثانيًا؛ في واقع الأمر فإنّ الجدل في مسألةٍ ما إذا كان الضباط والجنود على حقٍّ حين بادروا إلى توقيع الرسائل بأسمائهم ورتبهم، أم أنّ رئيس هيئة الأركان العامة كان محقًا عندما أخرج بعضهم من خدمة الاحتياط، لم يصرف الانتباه عن سؤالٍ آخر قد يكون أكثر أهميةً هو: لماذا دخل الجيش الإسرائيلي إلى قطاع غزّة مرّةً أُخرى؟ وهل تدعم قيادة المؤسسة الأمنيّة كلّها هذه الخطوة فعلًا؟ وكيف تنسجم هذه الخطوة مع الدروس المستخلصة من الحرب حتى الآن؟ وهل تساهم في إنهاء الحرب بطريقةٍ تخدم إسرائيل، أو ربّما تُبعد هذا اليوم؟
في هذا الصدد؛ كتبَ محلل الشؤون الأمنية، رونين برغمان، أنّ جهاتٍ رفيعة المستوى في المؤسسة الأمنية تحدثت إلى صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وأعربت عن تبايُنٍ في آرائها بشأن كيفية التعامل مع أفراد جيش الاحتياط، لكنها مع ذلك أجمعت على أنّ "ثمّة خللًا ما هنا، ولا نملك أدنى فكرة إلى أين تتجه هذه الحرب". ووجّهت هذه الجهات انتقاداتٍ حادةً إلى تصريحات رئيس هيئة الأركان العامة، التي زعم فيها أنّ العملية في غزّة لا تُعرّض الأسرى إلى الخطر، وبأنّ هناك احتمالًا لتحقيق الهدف الذي من أجله، بحسب ادّعائه، خرقت إسرائيل وقف إطلاق النار، ودخلت إلى غزّة مجددًا، أي الإفراج عن جميع الأسرى.
كذلك قال أحد هذه المصادر "دعك من وزير الأمن، فهو عقيمٌ، وليس سوى بوقٍ لنتنياهو، ولا نتوقع منه شيئًا آخر. لكن أن يُلقي رئيس هيئة الأركان العامة بثقله في مثل تصريحات كهذه، ويدّعي أن الجميع في المنظومة الأمنية والجيش يريدون هذه العملية، ويعتقدون أنّها الخطوة الصحيحة... في أقلّ تقديرٍ، فهذه التصريحات غريبةٌ جدًا. إنّها تعزّز الشكّ في أنّ رئيس هيئة الأركان يمنح الحكومة غطاءً، خلافًا لاعتباراتٍ عسكريةٍ مهنيةٍ ونزيهةٍ".
كذلك يشدّد برغمان على أنّه في ما يتعلق بالقتال في قطاع غزّة، وبحسب ما أفاد به مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي، وفي جهاز الاستخبارات، وفي منظومة الأمن القومي، فإنّ استئنافه لا يتضمن أهدافًا واضحةً وقابلةً للتحقيق، ويُعرّض الأسرى الإسرائيليين إلى خطرٍ جسيمٍ، ولا يؤدي إلّا إلى إدامة الأسباب التي أدّت إلى استمرار هذه الحرب منذ أكثر من عامٍ ونصف العام.
هذا ينسجم مع تقييماتٍ إسرائيليةٍ لا يمكن حصرها، تؤكّد على أنّ إسرائيل لن تربح شيئًا من الاستمرار في ضرب قطاع غزّة وتدميره، باستثناء القتل الجماعي لغير الضالعين في القتال، وارتكاب مزيدٍ من جرائم الحرب، وزيادة حدّة الكراهية للإسرائيليين واليهود في شتى أنحاء العالم، وتشديد خناق القانون الدولي ومذكرات الاعتقال.
يبدو حتى الآن؛ أنّ الجنرال زامير قد مُني بقدرٍ كبيرٍ من الفشل في محاولة الإقناع بمبرّره الجوهري لاستئناف القتال ضدّ قطاع غزّة (إعادة الأسرى الإسرائيليين)
ثالثًا؛ إضافةً إلى الحديث المتواتر عن تغيير رئيسي في مجريات الأمور، قد يحدث نتيجة موقف إدارة الرئيس الأميركي ترامب، هناك حديثٌ عن مبلغ تأثير الداخل في إسرائيل. وإذا ما استثنينا التأثير المتأتي عن أي تطوّرات غير متوقعة، فإن ما يجري تداوله بهذا الشأن أن هناك ثلاثة أطراف في إسرائيل ما زالت قادرة بقواها المشتركة، على تغيير الوضع القائم الذي يتسم باستمرار الحرب، هي: المستشار القانوني للحكومة، والمحكمة العليا، والجمهور العريض، ودخلت الأطراف هذه إلى المعادلة في ضوء آخر حراكها الذي تغيّا رسم حدود السلطة أمام نتنياهو.
كما تتجّه الأنظار إلى قائد الجيش الإسرائيلي، من خلال الاتّفاق على أن لديه خيارين: الأول؛ أن يواصل كونه أداةً طيعةً في يد رئيس الحكومة، ويستمر في القتال، ولن تكون نتائجه أفضل مما كان حتّى الآن. والخيار الثاني، أن يعرض على رئيس الحكومة ووزير الأمن الحقيقة الكاملة بشأن عجز الجيش عن تحقيق الأهداف التي يسعى إليها المستوى السياسي، والحاجة الفورية إلى وقف القتال. لا بُدّ من لفت الانتباه هنا إلى أن معظم الذي يطرحون هذين الخيارين يؤكّدون أنّ وقف القتال يهدف بالأساس إلى إطلاق جميع الأسرى الإسرائيليين بدايةً، ومن ثمّ إعادة بناء الجيش وتوسيعه استعدادًا لمواجهاتٍ مقبلةٍ!