ميلاد "التكتل الشعبي" في المغرب: خطوة لتجاوز الركود السياسي أم استمرار لمتاهة التحالفات؟
استمع إلى الملخص
- يخطط التكتل لتنظيم لقاءات دورية وتشكيل لجان متخصصة لمواجهة الهيمنة السياسية الحالية وتحريك المشهد السياسي الراكد منذ انتخابات 2021.
- يواجه التكتل تحديات مثل ضعف القاعدة الشعبية وصعوبة التوافق على رؤية موحدة، ويعتمد نجاحه على تجاوز الخلافات الداخلية وتقديم بديل سياسي واقعي.
وسط حالة الجمود التي يعيشها المشهد السياسي في المغرب، وقع الأمناء العامون لثلاثة أحزاب معارضة، مساء أمس الخميس، على بروتوكول تأسيسي لتكتل سياسي يحمل اسم "التكتل الشعبي" يهدف ليكون "بديلا شعبيا يلبي تطلعات المغاربة وعلى رد الاعتبار للمشهد السياسي المغربي".
وجاء التوقيع على البروتوكول التأسيسي للتكتل السياسي الجديد الذي يضم كلا من حزب "الحركة الشعبية" و"الحزب المغربي الحر" و"الحزب الديمقراطي الوطني"، بعد أشهر من لقاءات مكثفة بين تلك المكونات والقوى، في سياق المساعي لـ"خلق انفراج في المشهد السياسي والوقوف ضد الهيمنة وتحريك أدوار مؤسسات الوساطة، فضلا عن فتح الباب أمام أحزاب أخرى للانضمام".
وحددت الأرضية السياسية لـ"التكتل الشعبي" الخطوط العريضة لمرجعيته في "تحصين ثوابت الأمة ومقدساتها، وتعزيز السلم الاجتماعي والعدالة الاقتصادية، وضمان العدالة المجالية والتنمية المتوازنة، فضلا عن دفاعه عن إصلاح النخب السياسية وتعزيز الشفافية ومحاربة الفساد وتخليق الحياة العامة". كما تشمل تلك الخطوط "دعم الأشخاص في وضعية إعاقة، ودعم المتقاعدين، وتفعيل الدولة الاجتماعية، وتعزيز المكانة الدولية للمغرب، إلى جانب تقديم بدائل سياسية ومبتكرة تهدف إلى تحسين كفاءة السياسات العمومية وتفعيلها بشكل يلبي تطلعات المواطن المغربي".
وفي ما يتعلق بآليات عمل التكتل، نصت الأرضية السياسية على تنظيم لقاءات دورية موسعة وتشكيل لجان متخصصة متعددة المستويات، فضلا عن الانفتاح على الفاعلين المجتمعيين ومغاربة العالم، ثم تنظيم قوافل للتأطير السياسي ولقاءات إشعاعية وإعلامية". ويأتي ترسيم ميلاد "التكتل الشعبي" في وقت يعيش المشهد السياسي في المغرب منذ انتخابات الثامن من سبتمبر/ أيلول 2021، واقعا جديدا، بعدما أحكم التحالف الثلاثي الذي يقوده حزب "التجمع الوطني للأحرار" مع حزبي "الأصالة والمعاصرة" و"الاستقلال"، سيطرته على تدبير الشأن الحكومي والمجالس الجهوية والبلدية.
وبينما بدا لافتا للانتباه استفراد القوى السياسية الثلاث بمجالات الانتدابات الشعبية، وهو الاستفراد الذي خلق ركودا في المشهد السياسي واتهامات لتلك القوى بـ"التغول" و"الهيمنة"، تؤكد الأرضية السياسية للتكتل أنه "أصبح من اللازم المبادرة والمساهمة في صناعة أجوبة وبلورة حلول تحرّك هذه البركة السياسية الراكدة، وتعيد للممارسة السياسية نبلها المفقود وللوساطة المؤسساتية نبرتها الاستراتيجية ومفعولها الإيجابي المغيب في واقع حزبي ونقابي مطبوع بالتشرذم وبصراع المواقع على حساب المواقف. واقع يقاس فيه الفعل السياسي، بعمقه الفكري المؤجل بالأوزان الانتخابية العابرة والمتحولة وغير المؤثرة لا تنمويا ولا مجتمعيا".
وفي وقت يأمل المتحالفون في انضمام تنظيمات أخرى إلى تكتلهم، تُطرح أسئلة عدة حول الجديد الذي يمكن أن يضيفه "التكتل الشعبي" في الساحة السياسية التي تعيش على وقع الركود السياسي أم أنه تكرار لما عاشته الأحزاب والقوى السياسية في متاهة تشكيل تحالفات سياسية تولد ميتة نتيجة غياب الرؤية والهدف الجامع لها.
وبحسب رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية رشيد لزرق، فإن الغاية من الإعلان عن تأسيس "التكتل الشعبي" كتجمع سياسي يضم مجموعة من الأحزاب السياسية، من موقع المعارضة، هي تعزيز الحضور الإعلامي لهذه الأحزاب في الساحة السياسية، والخروج إلى دائرة الضوء أكثر منه خلق رجة سياسية، وذلك لمحدودية القاعدة الشعبية لتلك الأحزاب وضعف امتدادها الجماهيري.
ورأى لزرق، في حديث مع "العربي الجديد" اليوم الجمعة، أن الأحزاب الثلاثة تسعى من خلال هذا التكتل إلى توحيد جهودها الإعلامية وتكثيف ظهورها في وسائل الإعلام المختلفة، محاولةً بذلك تعويض غياب عمقها الشعبي وتأثيرها المباشر في المجتمع. ولفت إلى أن هذا التوجه يعكس حقيقة أن بعض التكتلات السياسية قد تنشأ بهدف تحقيق حضور إعلامي أكثر من كونها تعبيرا عن قوة شعبية حقيقية أو تمثيل جماهيري واسع.
وقال إنه وفقا للمعطيات السياسية الراهنة، قد تواجه هذه المبادرة تحديات كبيرة في تحقيق أهدافها المنشودة، وذلك لعدة عوامل رئيسية أولها فشل التجارب السابقة للتحالفات المعارضة في تحقيق النتائج المرجوة بسبب الخلافات الداخلية وصعوبة التوافق على رؤية موحدة. وثانيها: قوة الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي وتماسكها النسبي الذي يجعل من الصعب زعزعة موقعها في المشهد السياسي.
كما أن غياب برنامج سياسي واضح المعالم وآليات عمل محددة لهذا التكتل الجديد قد يؤثر سلبا على فعاليته وقدرته على استقطاب الدعم الشعبي اللازم لتحقيق التغيير المنشود، بحسب لزرق، مؤكدا أن نجاح هذه المبادرة سيتوقف بشكل كبير على قدرة الأحزاب الثلاثة على تجاوز خلافاتها وتقديم بديل سياسي حقيقي وواقعي يلبي تطلعات المواطنين.
من جهتها، رأت الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التكتل الجديد سيواجه تحديات كبيرة على رأسها تجاوز الخلافات الداخلية، علما أن التجارب التي عرفتها الساحة السياسية في البلاد سابقا في شأن التحالفات عرفت فشلا بسبب عدم التوافق على رؤية موحدة. وأوضحت لموير أن عدم وضوح آليات العمل التي ترتكز عليها مكونات هذا التكتل وبرنامجه السياسي، يعكس عدم تقديم بديل سياسي واقعي يعكس تطلعات المواطن المغربي، معتبرة أن من شأن ذلك أن يعرقل استجماع الدعم الشعبي المرجو خاصة ونحن على مشارف محطة انتخابية مهمة.
وأشارت إلى أن تماسك مكونات الائتلاف الحكومي الحالي الذي ترجمته في مختلف المناسبات، يظهر صعوبة هز موقعه في المشهد السياسي، ما يشكل عائقا آخر أمام نجاح التكتل الجديد، معتبرة أن مسألة خلق أقطاب سياسية بالمغرب في المرحلة الحالية لن تكون بالخطوة الناجحة التي من شأنها زعزعة ركود المشهد السياسي بالمغرب.