ليبيا: بدء سريان الاتفاق الأمني بين حكومة الوحدة الوطنية وجهاز الردع في طرابلس
استمع إلى الملخص
- جاء الاتفاق نتيجة تفاهمات سياسية وأمنية بعد تصاعد التوترات في طرابلس، بمشاركة البعثة الأممية وتركيا في تسهيل الوصول إليه، ويتضمن جدولاً زمنياً وإجرائياً للتنفيذ.
- شهدت طرابلس توترات أمنية منذ مايو، مع انتقادات لجهاز الردع واتهامه بأنه "مليشيا خارجة عن القانون"، رغم دوره في تنفيذ الأحكام القضائية وإدارة السجون.
دخل الاتفاق الأمني بين حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا وجهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي، حيّز التنفيذ يوم أمس الأحد، وسط إجراءات عملية بدأت في العاصمة طرابلس، من بينها دخول قوة تابعة للمجلس الرئاسي لتسلّم مطار معيتيقة من القوة التي كانت تتبع لجهاز الردع، وفقاً لمصادر حكومية من طرابلس. وأفادت المصادر "العربي الجديد"، بأن تسلم المطار جاء خطوةً أولى نحو تنفيذ بنود الاتفاق، فيما تجري تحضيرات لنقل السيطرة على ميناء طرابلس من الجهاز إلى قوة تابعة لإدارة أمن جهاز الجمارك خلال الأيام المقبلة.
وأوضحت أن لجنة مشتركة تشكلت من قوات تابعة لرئاسة الأركان العامة بإشراف المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، للإشراف على تطبيق الاتفاق، وأن هذه اللجنة تتولى حالياً متابعة الترتيبات المتعلقة بتسلم الموانئ والمطارات، خارج طرابلس، وتحديداً في مصراتة، والزاوية، والخمس، غربي البلاد، كما تجري اللجنة نفسها، ترتيبات لتعيين قائد جديد لجهاز الشرطة القضائية، خاصة بعد تضارب قرارين، إذ سمّى في الأول المجلس الرئاسي اللواء عطية الفاخري رئيساً له، وسمّت الحكومة اللواء أبو القاسم دبوب رئيساً، ويتولى الجهاز الإشراف على أكبر سجنَين في العاصمة طرابلس، سجن معيتيقة وسجن الجديدة.
وبحسب المصادر، فإنّ الاتفاق جاء تتويجاً لتفاهمات سياسية وأمنية بدأت قبل أسابيع بين الحكومة والمجلس الرئاسي، بعد تصاعد التوترات داخل طرابلس منذ العشرين من أغسطس/ آب المنصرم، إثر دخول أرتال مسلحة تابعة للحكومة من خارج العاصمة، وتحشيدات أخرى متزامنة إليها، في مقابل اتجاه جهاز الردع إلى تعزيز انتشاره والدفاع عن مواقعه الرئيسية، وفي مقدمتها قاعدة معيتيقة التي تُعد مركز ثقله العسكري والأمني. ورغم أن الحكومة والمجلس الرئاسي لم يعلنا عن الاتفاق رسمياً حتّى الآن، إلّا أن مستشار رئيس المجلس الرئاسي زياد دغيم كشف عن أن الاتفاق بني على مبادئ عامة قابلة للتطبيق في جميع مناطق نفوذ الطرفَين، مع مراعاة أي عقبات محتملة والاحتياط لتجاوزها بحلول بديلة.
وفي التفاصيل، ذكر دغيم في حديثه مع "العربي الجديد"، أن البعثة الأممية لعبت دوراً أساسياً في تسهيل الوصول إليه، مشيراً إلى دور تركي فاعل في دفع الطرفين نحو التوافق، مضيفاً أن الآلية التي جرى الاتفاق عليها للتنفيذ تقتضي بأن تجري الخطوات تباعاً من كلا الطرفين. وفيما لفت دغيم إلى أن جهاز الردع بادر بالخطوة الأولى لتأكيد مسؤوليته وتعاونه من أجل بدء تنفيذ الاتفاق، ذكر أن الاتفاق يتضمن جدولاً زمنياً وآخر إجرائياً يسيران في ذات الوقت.
وأكد دغيم أن جهود المجلس الرئاسي تجاوزت هدف خفض التصعيد وإحلال الأمن، إلى هدف تكريس سيادة المؤسسات والقانون في العاصمة، ليكون الاتفاق بصبغة مؤسسة، ويتجاوز مفهوم التسوية لخفض التوتر بين أطراف. وحول ضمانات تنفيذ الاتفاق، أوضح أن البعثة الأممية ستتولى دور المراقب على التنفيذ، فيما كان لتركيا دور هام في دفع الأطراف نحو تقريب وجهات النظر، مشيراً إلى أن الدور التركي اقتصر على ذلك دون التدخل في وضع بنود الاتفاق.
وسبق أن كشفت مصادر حكومية وأخرى مقربة من المجلس الرئاسي لـ"العربي الجديد"، عن نجاح اجتماع جرى بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في 30 أغسطس الماضي، في وضع خطوط عريضة لتهدئة التوتر وإعادة هيكلة التشكيلات المسلحة وفق القوانين الليبية والمعايير الدولية، إلّا أن المفاوضات وقتها سارت بوتيرة بطيئة ولم تحقق تقدماً ملموساً في البداية، إذ أبدى جهاز الردع موافقة أولية على تسليم سجن معيتيقة لمكتب النائب العام، غير أن الخلافات ظلت قائمة حول مسألة تسليم مطار معيتيقة وميناء طرابلس، وهو ما جعل التوتر مستمراً داخل العاصمة طيلة الأسابيع الماضية.
ويتخذ جهاز الردع من قاعدة معيتيقة، شماليّ العاصمة، مقراً رئيساً له، وهي تضم العديد من المنشآت العسكرية، بالإضافة للمطار والميناء. وتعود جذور هذا التوتر إلى العشرين من أغسطس الماضي، عندما شهدت طرابلس حالة استنفار أمني واسع النطاق، بعد وصول أرتال مسلحة من خارجها، تزامناً مع انتشار مكثف للمركبات العسكرية داخل أحيائها، فيما عزّزت قوات تابعة لرئاسة الأركان وجودها في مواقع على خطوط التماس بين قوات وزارتَي الدفاع والداخلية من جهة، وقوات جهاز الردع من جهة أخرى، خصوصاً في مناطق زاوية الدهماني، وباب بن غشير، وعين زارة، والسراج.
ويرتبط التوتر الراهن بالمواجهات التي اندلعت منتصف مايو/ أيار الماضي بين قوات الحكومة وقوة الردع، وذلك بعد يوم واحد فقط من إنهاء وجود جهاز دعم الاستقرار في منطقة أبو سليم، فرغم انتهاء تلك المواجهات بوقف لإطلاق النار بعد ساعات من القتال، إلّا أن التوتر بين الحكومة وجهاز الردع لم يتوقف، إذ واصل الدبيبة منذ ذلك الحين توجيه انتقادات علنية واتهامات مباشرة للردع، واصفاً إياه بأنه "مليشيا خارجة عن القانون"، التي تمثل "دولة داخل الدولة"، مشدداً على أنه لا سبيل لاستعادة الدولة السيطرة على مؤسساتها إلا عبر حل الجهاز كلياً.
ويُعتبر جهاز الردع القوة المسلحة الثانية من حيث النفوذ داخل طرابلس بعد جهاز دعم الاستقرار الذي جرت إطاحته، ويتولى الردع الإشراف على تنفيذ الأحكام القضائية وإدارة السجون، غير أن تقارير أممية متعدّدة وثقت انتهاكات واسعة ارتُكبت داخل سجونه، فيما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في يناير/ كانون الثاني الماضي مذكرة اعتقال بحقّ أحد قادته أسامة نجيم، على خلفية اتهامات بارتكاب انتهاكات ضد السجناء، والذي صدر عن الحكومة قرار بإقالته من منصبه منتصف مايو الماضي.