عودة الحرب.. مفاوضات تحت النار وحرب متدرجة

01 ابريل 2025
يواصل الاحتلال الإسرائيلي استهدافه المدنيين غزة 23 /3 /2025 (عمر القطا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في 18 مارس 2025، شنت إسرائيل غارات عنيفة على غزة، مما أدى إلى استشهاد 356 شخصًا، بينهم قادة من حماس، بعد انتهاء الهدنة بين الطرفين.
- التصعيد الإسرائيلي قد يكون له دوافع سياسية داخلية لنتنياهو، مثل استقطاب دعم سياسي، وفشل في القضاء على حماس، بينما استخدمت حماس ورقة الأسرى للضغط على نتنياهو.
- الأوضاع في غزة تتجه نحو التعقيد، مع احتمالية استمرار العدوان، مما قد يؤدي إلى تسليم القطاع لقوات عربية أو دولية، وبدء حقبة سياسية جديدة.

بعد مرور أسابيع عدّة على تنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، تفاجأ سكان قطاع غزّة، فجر الثلاثاء 18\3\2025، بغاراتٍ إسرائيليةٍ عنيفةٍ، أسفرت عن استشهاد نحو 356 شهيدًا خلال يومٍ واحدٍ، من بينهم قادةٌ ميدانيون، وعناصر من لجان الطوارئ، وشخصياتٌ بارزةٌ في حركة حماس. ثمّ تصاعدت وتيرة الأحداث في القطاع بوتيرةٍ أسرع، بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن انتهاء الهدنة مع حماس والعودة إلى القتال.

يبدو من التصعيد العسكري الإسرائيلي، أنّ نيّة شنّ عدوانٍ جديدٍ على قطاع غزّة كانت مُبيّته عند نتنياهو، فقد أعاد الجيش الإسرائيلي سيطرته خلال وقتٍ قصيرٍ على محور نتساريم، الذي يفصل بين شمال ووسط القطاع، ما يُعد خرقًا إسرائيليًا واضحًا لاتّفاق وقف إطلاق النار، ويفتح المجال أمام سؤال بشأن إن كان التصعيد الإسرائيلي مؤشرًا على استمرار الحرب على قطاع غزّة لوقتٍ طويلٍ، أم مجرد تصعيدٍ تكتيكيٍ مؤقتٍ بغرض الضغط على حماس؟ للإجابة على السؤال لا بدّ من ذكر الأسباب المُعلنة والخفية لعودة الحرب مرّةً أخرى، ومن أهمّها:

أوّلاً؛ محاولة تطبيق استراتيجية التفاوض تحت النار، من أجل الضغط على حماس للقبول بمقترح ويتكوف المعدل، الذي يطالب حماس بإطلاق سراح خمسة محتجزين أحياء خلال عشرة أيّامٍ، أو أكثر، فضلًا عن بعض الجثث، مع استمرار الهدنة لمدة 50 يومًا.

يمكن وصف ما يحدث في قطاع غزّة، بأنّه عودةٌ تدريجيةٌ للحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، عبر مراحل عدّة، تتمثّل بعمليات قصفٍ جويةٍ خاطفةٍ، تستهدف قيادات حركة حماس من الصفين العسكري والحكومي

ثانيًا؛ محاولة نتنياهو استقطاب وزير الأمن السابق، المتطرف إيتمار بن غفير، للانضمام مجددًا إلى الحكومة الإسرائيلية، كي يستطيع تمرير ميزانية حكومته في الكنيست وينقذها من التفكك، وكأن التصعيد هديةً لبن غفير، جعلت الأخير يعود فورًا للحكومة الإسرائيلية.

ثالثًا؛ فشل نتنياهو في تحقيق أهمّ أهداف الحرب الإسرائيلية، التي تتمثّل في القضاء على سلطة حماس المدنية والعسكرية في قطاع غزّة، وذلك بعد أن شن حربًا مدمّرةً على القطاع استغرقت أكثر من عامٍ واحدٍ، إذ تحدّت حماس الجيش الإسرائيلي علنًا عبر الاستعراضات العسكرية التي نظمتها خلال عمليات تسليم الأسرى، إضافةً إلى نجاح وزارة الداخلية التابعة لحماس في السيطرة الأمنية على القطاع فور دخول اتّفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، الأمر الذي طعن بمصداقية نتنياهو أمام شعبه، وأمام المعارضة الإسرائيلية، وأظهر ضعفه، وعدم قدرته على تحقيق أهداف الحرب.

رابعًا؛ نجاح حركة حماس في الحرب النفسية عبر توظيفها ورقة الأسرى الإسرائيليين، لتحريض أهالي الأسرى الإسرائيليين والشارع الإسرائيلي ضدّ نتنياهو وحكومته، مثل عرض صورة لنتنياهو تُشبهه بمصاص الدماء، وتُحمله مسؤولية قتل طفلي عائلة بيباس الإسرائيلية وأمهما، ما أشعل غضب نتنياهو، واعتبره تحريضًا شخصيًا ضدّه، وتدخلًا في الشأن الداخلي الإسرائيلي.

يمكن وصف ما يحدث في قطاع غزّة، بأنّه عودةٌ تدريجيةٌ للحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، عبر مراحل عدّة، تتمثّل بعمليات قصفٍ جويةٍ خاطفةٍ، تستهدف قيادات حركة حماس من الصفين العسكري والحكومي، مع عدم الاكتراث بسقوط ضحايا من المدنيين الغزيين، وذلك لتأليب الرأي العام الغزّي ضدّ حماس وإجبارها على الاستسلام. ثمّ في حال استمرت حماس برفض مقترح ويتكوف المعدل، حسب الشروط الإسرائيلية، قد تتدرج العمليات العسكرية الإسرائيلية مستقبلًا كي تصل إلى عملياتٍ بريةٍ موسعةٍ، قد يتبعها حسب تسريبات الصحافة الإسرائيلية، تحديد منطقةٍ إنسانيةٍ عازلةٍ لفلترة سكان غزّة حسب مدى ارتباطهم بأنشطة المقاومة، ومن ثمّ حصرهم ضمن ما يسمى بالفقاعة الإنسانية، ما يمنح الجيش الإسرائيلي السيطرة على عملية توزيع المساعدات الإنسانية، وحرية القتال في الأماكن ذات الكثافة السكانية.

فشل نتنياهو في تحقيق أهمّ أهداف الحرب الإسرائيلية، التي تتمثّل في القضاء على سلطة حماس المدنية والعسكرية في قطاع غزّة، وذلك بعد أن شن حربًا مدمّرةً على القطاع استغرقت أكثر من عامٍ

ختامًا، يمكن القول أنّ الأوضاع في قطاع غزّة تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، ويبدو أن القطاع سيشهد خلال عام 2025 استمرارًا لعدونٍ إسرائيليٍ مدمرٍ، قد ينتهي بتسليم القطاع لقواتٍ عربيةٍ أو دوليةٍ، ما ينذر ببدء حقبةٍ سياسيةٍ جديدةٍ في القطاع، تتمثّل بتحييد القطاع عن محور المقاومة، مع تشجيع الغزّيين على الهجرة القسرية/ الطوعية لبلدانٍ أخرى حول العالم.

المساهمون