"سرايا أنصار السنة" في سورية... مجموعة "جهادية" افتراضية؟

21 مايو 2025
أهالي ضحايا مجزرة أرزة، 6 فبراير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ظهرت "سرايا أنصار السنة" في سوريا، بقيادة أبو عائشة الشامي، ونفذت عمليات قتل واغتيالات، مثل مجزرة أرزة في حماة، مع شكوك حول وجودها الفعلي، حيث قد تكون موجودة فقط عبر تليغرام.
- استهدفت المجموعة مناطق العلويين في حمص والساحل وريف حماة، وهددت الدروز في السويداء، ونشرت بيانات عبر قنوات تليغرام، لكن دون أدلة مرئية، مما يثير الشكوك حول مصداقيتها.
- تتبنى المجموعة عقيدة سلفية متشددة، مشابهة لتنظيمات في العراق، وتتناقض مع قيم الإسلام، مما يتطلب من الدولة اتخاذ إجراءات لوقف تهديداتها.

في مطلع فبراير/ شباط الماضي، برزت إلى الواجهة في سورية مجموعة سمّت نفسها "سرايا أنصار السنة"، معلنة عن تنفيذ عمليات قتل واغتيالات متعددة، منها مجزرة أرزة في حماة، التي راح ضحيتها أكثر من عشرة مواطنين من أبناء القرية. هذه المجموعة التي أعلنت أن زعيمها شخص يدعى أبو عائشة الشامي، تثير الكثير من علامات الاستفهام، خصوصاً أن بعض المعطيات وتتبّع العمليات التي أعلنت تنفيذها يطرح شكوكاً حول ما إذا كان لديها وجود مادي أو يقتصر على العالم الافتراضي، وتحديداً تطبيق تليغرام، لتثير الشكوك حول حقيقتها وعملياتها. ولدى تواصل "العربي الجديد" مع وزارة الداخلية السورية لمعرفة كيفية التعاطي مع مثل هذه الأخبار للتأكد من وجود هذه الجماعة، كان الرد بأن الموضوع متابع، مع رفض الإدلاء بأي تفاصيل أخرى.

بداية عمليات "سرايا أنصار السنة"

وبالعودة إلى عملية قرية أرزة في حماة، أصدرت حركة "سرايا أنصار السنة" حينها بياناً تأسيسياً عبر قنواتها على "تليغرام"، قالت فيه: "بعد أن رأينا الفساد الحاصل والتسامح المبالغ فيه مع النصيرية والروافض الذين قتلوا نساءنا وأطفالنا وهدموا بيوتنا وهجرونا من أرضنا وبغوا وجاروا علينا خلال فترة حكم الطاغية بشار الأسد، وما نراه من مساندة ومسامحة لهم من الإدارة الجديدة من إطلاق سراح أسراهم وإجراء تسويات للمجرمين، وعليه قررنا تشكيل سرايا أنصار السنة، وبناء عليه سنقوم بمهاجمة كل مكان للنصيرية والروافض، لن نترك لهم فرصة ليعيدوا مجدهم، هجماتنا ستكون هجمات ذئاب منفردة وليس لدينا مكان تمركز ولا مقرات، ونحن قوة لامركزية وبفضل الله نحن قادرون على المهاجمة بكل زمان ومكان، سنقتل ونشرّد ونهجّر، قادمون بالسكاكين".

قالت الجماعة إن هجماتها ستكون هجمات ذئاب منفردة وليس لديها مكان للتمركز ولا مقرات

حاولت "العربي الجديد" تتبّع أنشطة هذه الحركة وأخبارها للتأكد من مصداقية وجودها. بدأت "سرايا أنصار السنة" بتوسيع نشاطها عبر "تليغرام"، فقد أسست عدة قنوات، منها: مؤسسة العاديات الإعلامية، متابعة عمليات سرايا أنصار السنة، مؤسسة العاديات الإعلامية القناة الاحتياطية، قناة المنهج والعقيدة، قناة النور الدعوية، لبنان الآن. وكانت "سرايا أنصار السنة" تنشر كل الأعمال التي تتبناها من هجمات أو اغتيالات عبر قناة "مؤسسة العاديات الإعلامية"، ولكن هذه القناة حُذفت مع القناة الاحتياطية أخيراً، وتم تأسيس قناة أخرى. أما قناة "عمليات سرايا أنصار السنة" فهي حديثة التأسيس مقارنة بغيرها، وقليلة الأخبار، بينما يتركز محتوى قناتي "المنهج والعقيدة" و"النور الدعوية"، على الأمور الدعوية، وتوصيف الواقع من وجهة نظر الحركة وبيانات رافضة لنهج الرئيس السوري أحمد الشرع.

تبنّت الحركة عمليات قتل واستهدافات حصلت خصوصاً في مناطق تمركز الطائفة العلوية في حمص والساحل وريف حماة، ولاحقاً نشرت تهديداً للطائفة الدرزية بمهاجمة السويداء عقب انتشار فيديو مسيء للنبي محمد، وذلك في 29 إبريل/ نيسان الماضي. ومن الأعمال التي تبنّتها الحركة قتل مختار حي الوعر في حمص أدهم رجوب (من دون أن يكون هناك تهديد مسبق بذلك)، والشاب حسن يوسف، من قرفيص بجبلة، إضافة إلى الشاب علي منة من اللاذقية (كذلك الأمر دون وجود ما يثبت تنفيذ العملية). كما نشرت قناة "مؤسسة الداعيات" قبل حذفها أن الخلايا قامت بتصفية 13 شخصاً (دون ذكر أسمائهم)، وأن السبب أنهم تعهدوا بتتبّع بث قنوات وصفحات "سرايا أنصار السنة" على الإنترنت لتحديد المواقع التي يتم البث منها، لافتة في بيانها إلى أن البث يتم عن طريق أنصار من خارج الأراضي السورية، بعضهم مقيم في ليبيا وبعضهم في بولندا وبعضهم في الإمارات وتركيا، ويتم إرسال ما تريد الإدارة نشره إلى هؤلاء الأنصار عن طريق تطبيقات خاصة بالجماعة... وتم تذييل البيان باسم أبو حفص الطرابلسي. ويثير الإعلان عن أماكن وجود فريق النشر على هذا النحو تساؤلات، لا سيما في ظل امتلاك الدول المعنية قدرات متطورة على التتبّع، ما يعرّض الفريق المعني، إن صح وجوده، لاحتمال الاعتقال. 

كما أصدرت الحركة في نهاية شهر رمضان (أواخر شهر مارس/ آذار الماضي)، بياناً بعنوان "حصاد شهر رمضان"، ذكرت فيه أنها نفذت عدة عمليات، منها حرق غابات القرداحة، وتدمير مقام ناصر أسعد في حماة، وإعدام خضر محمود في حمص، و11 عملية إعدام لـ"نصيرية عشوائية" في الساحل في السادس من رمضان، وفي اليوم التالي 14 عملية إعدام في الساحل أيضاً، و15 عملية إعدام لـ"نصيرية" في قرفيص، وإشعال الحرائق في قرية بارميا، وحرق منازل وسيارات في ريف حمص الشرقي، وإعدام "شاب نصيري" في حي القصور ببانياس، وإعدام علاء ومجد قاسم في حي الأرمن بحمص، واستهداف زعيم الطائفة الدرزية حكمت الهجري بقنبلة يدوية على منزله، وتدمير مقام زين العابدين في حماة، وهجوم على ضاحية الأسد في جبلة، وإعدام شخص وأولاده الثلاثة بسبب تعاملهم مع المخابرات الجوية في حي الادخار بحمص، وإعدام فراس عقل، وأسر حسن محمد المحمد قرب دوار الأصيل في حمص.

ولدى البحث والتقصي، تبيّن ورود أسماء نشرتها الهيئة لأشخاص غير موجودين، منهم علي منة وحسن يوسف وماهر ليلى ووسيم سمرة، فيما يوجد أشخاص آخرون قُتلوا بالفعل، منهم فراس عقل الذي قُتل أمام مكتب كان يجلس فيه في تلكلخ بحمص على يد شخصين يستقلان دراجة نارية، إضافة إلى الأخوين مجد وعلاء قاسم اللذين قُتلا أمام محليهما في حي الأرمن بحمص، وخضر المحمود الذي كان مدرّس رياضة في حي الوعر بحمص، إضافة إلى مختار حي الوعر. إلا أن هذه الحركة لا تعتمد في أخبارها على نشر أي مقاطع فيديو أو صور تثبت تنفيذها العمليات التي تتبناها، كما أنها لم يسبق أن هددت شخصاً باسمه ونفذت عملية بالفعل، فكافة الأخبار تنشرها بعد تنفيذ العملية.

توجهات معارضة للسلطة السورية

وفيما لم تقدم وزارة الداخلية، التي تواصلت معها "العربي الجديد"، أي تفاصيل بشأن المجموعة، أوضح  عضو مجلس الشعب السوري السابق الباحث الإسلامي محمد حبش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن اسم "أنصار السنة المحمدية" ظهر منذ نحو قرن في مصر، وحققت المجموعة انتشاراً كبيراً كونها حركة دعوية تهتم بتطبيق الإسلام والدعوة إلى العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج، ولم يعرف عن الجماعة مشروع سياسي مباشر. وأضاف: ظهر الاسم مرة أخرى في العراق إبان سقوط نظام صدام حسين ودخول القوات الأميركية إلى العراق (2003)، وهذه المرة ظهر باسم "أنصار السنة" فقط، وهو تنظيم حمل فكر "القاعدة" بوجه عام الذي تمثل في قتال الأميركيين وضرب المصالح الأميركية، ونفذ عدة عمليات ضد القوات الأميركية، ثم ظهر مرة أخرى في كردستان العراق بالعقيدة القتالية نفسها.

محمد حبش: عقيدة أنصار السنة سلفية متشددة، غير مقبولة شعبياً لدى فقهاء المسلمين السنة، ولدى الدولة الجديدة

أما عن ظهور التنظيم الأخير في سورية، في أعقاب انتصار الثورة وسقوط نظام بشار الأسد، فقد أشار حبش إلى أن "مجموعات من التنظيم مارست دوراً متطرفاً رافضاً لتوجهات الدولة الجديدة نحو بناء دولة مدنية وعلاقات متوازنة مع العرب والمسلمين، إذ يرى هذا التنظيم أن مسؤولية الثورة الإسلامية توجب عليه مقاتلة المشركين وبشكل خاص أصحاب المذاهب الباطنية التي تكفّرها السلفية الجهادية، وهي بشكل خاص الطوائف العلوية والدرزية والإسماعيلية". ولفت إلى أن "عقيدة أنصار السنة سلفية متشددة، غير مقبولة شعبياً لدى فقهاء المسلمين السنة، بل هي غير مقبولة لدى الدولة الجديدة، ولا شك أن هذه التوجهات تتناقض مع قيم الإسلام في الرحمة"، مؤكداً ضرورة أن تقوم الدولة بواجبها في وقف أي تهديد كون هذه المجموعات توجّه تهديدات متتالية لمجموعة من أفراد الشعب السوري.