رئاسة سيبوتيندي تؤثر جزئياً على محكمة العدل الدولية

16 يناير 2025
سلام وإلى جانبه سيبوتيندي بجلسة للمحكمة، 30 إبريل 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استقالة القاضي اللبناني نواف سلام من رئاسة محكمة العدل الدولية لتشكيل الحكومة اللبنانية أثارت تساؤلات حول مستقبل المحكمة، خاصة بعد رأيها الاستشاري بعدم شرعية الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
- تولت القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي رئاسة المحكمة مؤقتاً، مما أثار ارتياحاً لدى الإعلام الإسرائيلي بسبب انحيازها السابق، رغم أن قرارات المحكمة تُتخذ بالأغلبية.
- تأثير سيبوتيندي على قرارات المحكمة محدود، حيث يتم اتخاذ القرارات بالأغلبية، ودور الرئيس يكون فاصلاً فقط في حال تعادل الأصوات، مع ضمان توازن القوى بانتخاب عضو بديل.
فتحت استقالة القاضي في محكمة العدل الدولية منذ عام 2018، ورئيس المحكمة منذ فبراير/شباط 2024، اللبناني نواف سلام، من منصبه في المحكمة بعدما كُلّف أول من أمس الإثنين، بتشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة، الباب، أمام سيل من التساؤلات حول مصير رئاسة المحكمة، التي أصدرت العام الماضي رأيها الاستشاري التاريخي، حين أقرّت في يوليو/تموز الماضي بعدم شرعية الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية واعتباره احتلالاً. وليس مصير الرئاسة وحده ما أثار الخشية بالنسبة إلى داعمي فلسطين، بل مصير المقعد الشاغر الذي يجب ملؤه بعد استقالة سلام، وسط تخوف من تراجع أصوات القضاة داخل المحكمة، المتعاطفين مع الفلسطينيين والمؤيدين بشكل عام لحقوقهم. ويأتي ذلك علماً أن القرار التاريخي للمحكمة في يوليو الماضي، لم ينسحب على اعتبار العدوان الجاري على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إبادة جماعية، رداً على الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لدى المحكمة مع بداية العدوان. وينتظر ذلك قراراً نهائياً قد يحتاج سنوات للبت فيه. وينظر مراقبون إلى أن المحكمة ومقرها لاهاي، ليست ناجية من التسييس بشكل عام، ومن الضغط الأميركي، رغم ما يكمن أن تحقّقه من اختراقات على الصعيد القانوني الدولي في قضايا عدة، تبقى غير ملزمة، لكنها تعزّز حراكات دولية وحقوقية باتجاه قضايا معينة. وستعمل القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي التي حلّت محل سلام، من دون شكّ على محاولة تبرئة دولة الاحتلال، لكنها غير قادرة على الحسم بمفردها، إذ إن دورها لناحية اتخاذ القرار، يساوي أدوار جميع قضاة المحكمة.
صوّتت القاضية الأوغندية بصفتها عضواً مرة، ثم بصفتها نائبة للرئيس، ضد الإجراءات التي طالبت المحكمة إسرائيل بالتزامها

رئاسة محكمة العدل الدولية

وأبدى إعلام الاحتلال، ارتياحه، لتسلّم نائبة سلام، القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي، رئاسة المحكمة المؤلفة من 15 قاضياً، إلى حين انتخاب رئيس جديد للمحكمة. ويتم الانتخاب بتصويت من قضاة المحكمة، ولكن بعد إجراءات يطلقها للعملية الأمين العام للأمم المتحدة، من دون أن يكون ملزماً بموعد محدّد، وبالإمكان أن تبقى سيبوتيندي في منصب الرئيس حتى موعد انتهاء ولاية رئيس المحكمة المحدّدة بثلاث سنوات، أي حتى 2027.

وكانت سيبوتيندي أثارت الانتباه، منذ تقديم جنوب أفريقيا طلباً رسمياً لمحكمة العدل الدولية، في ديسمبر/كانون الأول 2023، للبت في اتهامها لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة. وانحازت القاضية الأوغندية بالكامل لدولة الاحتلال، وأكدت أوغندا أن سيبوتيندي لا تمثل حكومتها، علماً أن القضاة في محكمة العدل الدولية لا يمثلون دولهم. وأصدرت المحكمة في يناير/كانون الثاني 2024 حكماً أولياً في القضية، إذ أمرت إسرائيل باتخاذ جميع التدابير في حدود سلطتها لمنع الأعمال التي يمكن أن تندرج تحت اتفاقية الإبادة الجماعية. كما أمرتها بمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة والحفاظ على الأدلة بشأن الجرائم المرتكبة في القطاع. وفي مايو/أيار الماضي، أصدرت محكمة العدل الدولية أمراً إلزامياً بوقف العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح جنوبي القطاع، لكن إسرائيل لم تمتثل. وفي المرّتين، صوّتت القاضية الأوغندية بصفتها عضواً مرة، ثم بصفتها نائبة للرئيس، ضد الإجراءات التي طالبت المحكمة إسرائيل بالتزامها، حتى أن أحد الإجراءات الطارئة الستة التي صدرت عن المحكمة في يناير الماضي، حظي بدعم القاضي أهارون باراك، ممثل إسرائيل في المحكمة (التصويت لـ17 قاضيا بينهم ممثلا إسرائيل وجنوب أفريقيا)، من دون أن يحظى بدعم سيبوتيندي التي كانت الوحيدة التي صوّتت ضد جميع الإجراءات المطلوبة، والتي كانت حظيت بإجماع قضاة المحكمة الآخرين، بمن فيهم حينها الرئيسة السابقة للمحكمة، الأميركية جوان دونوغو. وبرّرت سيبوتيندي قرارها، بأن القضية هي "سياسية بالمقام الأول"، وليست من اختصاص المحكمة.

قد تكون سيبوتيندي بالمنصب، لدى تقديم إسرائيل وجهة نظرها

انحياز كامل لدولة الاحتلال

هذا الانحياز الكامل لإسرائيل، أثار مخاوف عدة بعد ترؤس سيبوتيندي للمحكمة. واستغلت دولة الاحتلال المسألة أيضاً، للتصويب على رئيس الحكومة اللبنانية المكلّف نواف سلام، بعد خطاب قبول التكليف له في بيروت أخيراً، والتي وصف فيه إسرائيل بـ"العدو"، إذ اعتبرت على لسان وزير خارجيتها جدعون ساعر، إن ذلك يثبت "انحياز" محكمة العدل، وذلك بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
وينتظر الفلسطينيون بتّ "العدل الدولية"، بقرار نهائي بشأن تهمة الإبادة الجماعية لإسرائيل، لكن القرار قد لن يصدر قبل سنوات عدة، وربما بعد مغادرة سيبوتيندي للمنصب، حتى لو بقيت فيه طوال المدة المحددة لرئاسة المحكمة، بصفتها بديلة عن سلام. رغم ذلك، فإن القاضية الأوغندية قد تكون على الأرجح لا تزال رئيسة للمحكمة، لدى تقديم إسرائيل وجهة نظرها المعارضة للقضية المرفوعة من بريتوريا، علماً أن المحكمة كانت حدّدت تاريخ 28 يوليو المقبل موعداً نهائياً لذلك.

ولا يعني ترؤس القاضية الأوغندية المنحازة لإسرائيل، المحكمة، أنها قادرة على التأثير لانتزاع قرار داعم لدولة الاحتلال، فالتصويت يتم بالأغلبية، ويكون دور الرئيس فاصلاً بحال تعادل الأصوات، بينما تقوم مهمة رئيس أو رئيسة المحكمة، على إدارة شؤون المحكمة، ورئاسة لجانها القضائية، ولجنتها التي تحرّر الرأي الاستشاري، وهنا بإمكان رئيس المحكمة، أن يترك أثره على عملية الصياغة، بشكل من الأشكال، بحسب خبراء. أما لناحية انتخاب عضو بديل عن مقعد شاغر بين قضاة المحكمة، فيتم ذلك بالأغلبية المطلقة من قبل مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، ما يمكن أن يتم أكثر من مرة لحين وصول أي مرشح للأغلبية المطلقة. وبعد انتهاء ولاية سبوتيندي بوصفها بديلة، بإمكانها الترشح لمنصب الرئيسة مجدداً.

(العربي الجديد)