دبلوماسي بريطاني يكشف تلاعب لندن بالقانون لدعم حرب الإبادة في غزة

11 فبراير 2025
منتجع دمره القصف الإسرائيلي شمال غزة، 11 فبراير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- كشف الدبلوماسي البريطاني السابق مارك سميث عن تلاعب وزراء في الحكومة البريطانية بالأطر القانونية لحماية "الدول الصديقة" من المساءلة، مما يضمن استمرار تزويدها بالسلاح رغم التحذيرات من تجاوز القانون الدولي.
- أشار سميث إلى أن موظفي الخدمة المدنية تعرضوا لضغوط لتشويه التقييمات القانونية، مما أدى إلى تقليل شأن الأدلة على إلحاق الضرر بالمدنيين، واستخدام تكتيكات لتجنب إنشاء سجل مكتوب.
- دعا سميث إلى الشفافية والمساءلة في سياسات تصدير الأسلحة، وحماية المبلغين عن المخالفات، ورفض التواطؤ في الجرائم ضد الإنسانية.

مسؤولون كبار تعرضوا لضغوط من الوزراء لتشويه التقييم القانوني

بررت الحكومة البريطانية مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل بعملية "معيبة"

سميث: لا تسمحوا للوزراء بمقايضة الأرواح البشرية بالمصالح السياسية

كشف الدبلوماسي البريطاني السابق مارك سميث عن تلاعب وزراء في الحكومة البريطانية بالأطر القانونية لحماية "الدول الصديقة" من المساءلة، وضمان استمرار تزويدها بالسلاح رغم التحذير من تجاوز القانون الدولي، وذلك في إشارة إلى تورّط المملكة المتحدة في دعم حرب الإبادة على غزة. المستشار السياسي في وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية، الذي استقال في أغسطس/ آب الماضي احتجاجاً على بيع المملكة المتحدة السلاح لإسرائيل، تحدث في مقالٍ في صحيفة ذا غارديان، أول أمس الأحد، عن الأسباب التي دفعته إلى الاستقالة التي احتلت عناوين الصحف والمواقع الإخبارية حينها، واصفاً قرار الحكومة البريطانية بتعليق بعض صادرات السلاح في أعقاب استقالته بـ"المتأخر للغاية"، إذ استمرت إسرائيل في ارتكاب الفظائع في غزة "بينما تقف المملكة المتحدة متفرجة، غير راغبة في التصرف".

سميث الذي قضى حياته المهنية في العمل في مديرية الشرق الأوسط والخدمة في العالم العربي، ضابطاً رئيسياً في سياسة مبيعات الأسلحة، ومسؤولاً عن تقييم ما إذا كانت مبيعات الأسلحة التي تقوم بها حكومة المملكة المتحدة ملتزمة بالمعايير القانونية والأخلاقية بموجب القانون المحلي والدولي، يشرح قراره بالاستقالة الذي جاء بعد أكثر من عام من "الضغط الداخلي والإبلاغ عن المخالفات".

تواطؤ في جرائم الحرب

ويقول في مقاله: "إن ما شهدتُه لم يكن مجرد فشل أخلاقي، بل كان سلوكاً أعتقد أنه تجاوز العتبة إلى التواطؤ في جرائم الحرب، ويستحق الجمهور البريطاني أن يعرف كيف تتخذ هذه القرارات خلف الأبواب المغلقة، وكيف يمكن للخلل النظامي أن يمكّن الحكومة من إدامة الضرر في الوقت الذي تحمي نفسها من التدقيق". ويضيف: "بصفتي مستشاراً رئيسياً في سياسة مبيعات الأسلحة، كان دوري هو جمع المعلومات عن سلوك الحكومات الأجنبية المشاركة في الحملات العسكرية، خاصة في ما يتصل بالخسائر المدنية والالتزام بالقانون الإنساني الدولي، وشكلت هذه المعلومات الأساس للتقارير التي نصحت الوزراء بشأن ما إذا كان استمرار مبيعات الأسلحة قانونياً".

ويشير إلى الإطار القانوني للمملكة المتحدة: "يجب أن تتوقف مبيعات الأسلحة إذا كان هناك "خطر واضح" من إمكانية استخدام الأسلحة لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي. إن موظفي الخدمة المدنية ملزمون بقواعد صارمة للنزاهة، تتطلب منا تقديم المشورة المحايدة القائمة على الأدلة، وأي محاولة للتغيير أو التلاعب بهذه المشورة لتحقيق مصلحة سياسية ليست غير أخلاقية فحسب، بل إنها غير قانونية".

ولكن خلال فترة ولايته، يقول سميث إنه شهد مسؤولين كباراً "يتعرضون لضغوط شديدة من الوزراء لتشويه التقييم القانوني"، وذكر كيف كانت التقارير تُعاد إليه مراراً "مصحوبة بتعليمات "بإعادة التوازن" إلى النتائج للتقليل من شأن الأدلة على إلحاق الضرر بالمدنيين والتأكيد على الجهود الدبلوماسية، بغض النظر عن الحقائق"، كما ذكر كيف كان يُستدعى للحصول على تعليمات شفوية على حدّ قوله، و"هو تكتيك يُستخدم عمداً لتجنب إنشاء سجل مكتوب يمكن أن يخضع لطلبات حرية المعلومات أو التدقيق القانوني".

أساليب للالتفاف على القانون

واعتبر سميث "المثال الأكثر إثارة للقلق لهذا التلاعب أثناء عمله هو مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية وسط حملتها العسكرية في اليمن"، قائلًا: "كانت حكومة المملكة المتحدة تدرك تمام الإدراك أن الغارات الجوية السعودية كانت تتسبب في خسائر فادحة في صفوف المدنيين، وفي اجتماع رفيع المستوى مع كبار المسؤولين، بما في ذلك المستشارين القانونيين، اعتُرف بأن المملكة المتحدة تجاوزت الحد الأدنى لوقف مبيعات الأسلحة، ولكن بدلاً من نصح الوزراء بتعليق الصادرات، تحول التركيز إلى إيجاد سبل العودة إلى الجانب الصحيح من القانون".

الصورة
محتجون في برايتون ضد تزويد إسرائيل بالسلاح، 5 يونيو 2024 (Getty)
تظاهرة في برايتون تنديداً بتزويد إسرائيل بالسلاح، المملكة المتحدة 5 يونيو 2024 (Getty)

وأشار الدبلوماسي المستقيل إلى لجوء المسؤولين إلى "تكتيكات المماطلة وتمديد مواعيد تقديم التقارير، والمطالبة بمعلومات إضافية غير ضرورية"، معتبراً هذا النهج ثغرة سمحت باستمرار مبيعات الأسلحة بينما تظاهرت الحكومة بالامتثال. وفي نهاية المطاف، اضطرت المملكة المتحدة إلى تعليق مبيعات الأسلحة إلى السعودية بعد خسارتها مراجعة قضائية رفعتها منظمات المجتمع المدني، ولكن بحسب سميث بدلاً من التعلّم من هذا الفشل، استجابت الحكومة بتغيير القانون لجعل الطعن في صادرات الأسلحة في المحكمة صعباً، وبعد عام استؤنفت مبيعات الأسلحة إلى المملكة.

تجاهل تام لتحذيراته

وتحدث سميث عن أن ما شهده بشأن مبيعات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل كان أكثر إثارة للقلق من قضية المبيعات للسعودية، قائلًا: "لقد أسفرت عمليات القصف الإسرائيلية المتكررة لغزة عن مقتل الآلاف من المدنيين وتدمير البنية التحتية الحيوية، وهي أفعال تتعارض بوضوح مع القانون الدولي. ومع ذلك، استمرت حكومة المملكة المتحدة في تبرير مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل بالاعتماد على نفس العمليات المعيبة والتكتيكات المراوغة"، وأضاف: "خلال حرب إسرائيل على غزة، شعرت بقلق متزايد إزاء الحملة العسكرية، وهي الحملة التي اتسمت بتدمير غير مسبوق واستهداف متعمد للمناطق المدنية. وفي ذلك الوقت، كنت أعمل دبلوماسياً في دبلن، إذ وضعني دعم أيرلندا القوي لفلسطين في موقف غير مريح، وكان من المتوقع مني أن أدافع عن سياسة المملكة المتحدة، لكنني لم أستطع أن أفعل ذلك بضمير مرتاح. وعندما طرحتُ أسئلة على وزارة الخارجية والدفاع البريطانية حول الأساس القانوني لمبيعاتنا من الأسلحة إلى إسرائيل، قوبلت بالعداء والتجاهل، ولم أتلق أي رد على رسائل البريد الإلكتروني، وحذروني من عدم وضع مخاوفي كتابياً، وحاصرني المحامون وكبار المسؤولين بتعليمات دفاعية "بالالتزام بالخطوط" وحذف المراسلات. وأصبح من الواضح أن لا أحد كان على استعداد لمعالجة السؤال الأساسي: كيف يمكن أن تكون مبيعات الأسلحة المستمرة إلى إسرائيل قانونية؟".

لا تسمحوا للوزراء بمقايضة الأرواح البشرية بالمصالح السياسية. لقد حان وقت المساءلة. لا يمكن أن يكون الوضع في غزة أكثر حدة. الآن يقترح أقرب حليف للمملكة المتحدة الطرد الجماعي لـ2.1 مليون شخص من غزة.

وأكد سميث أن تعامل وزارة الخارجية مع هذه القضايا لا يقل عن "فضيحة"، فالمسؤولون بحسبه يتعرضون للتنمر بغية إسكاتهم، ويجري "التلاعب بالعمليات لإنتاج نتائج مناسبة سياسياً، وعرقلة المبلّغين عن المخالفات وعزلهم وتجاهلهم. وفي الوقت نفسه، تواصل حكومة المملكة المتحدة تسليح الأنظمة التي ترتكب الفظائع، مختبئة وراء ثغرات قانونية وخدع العلاقات العامة".

وخلص إلى القول إنه اتّبع كل الإجراءات الداخلية المتاحة له للتعبير عن مخاوفه، وشمل ذلك تعاقده مع فريق الإبلاغ عن المخالفات، وكتابته إلى كبار المسؤولين، بل واتصاله بوزير الخارجية ديفيد لامي مباشرة، و"في كل خطوة، قوبلتُ بالتأخير والتعتيم والرفض الصريح للمشاركة، لقد أصبح من الواضح أن النظام ليس مصمَّماً لمحاسبة نفسه، بل إنه مصمم لحماية نفسه بأي ثمن".

ودعا إلى توقف تواطؤ المملكة المتحدة في جرائم الحرب، قائلًا: "يجب أن نطالب بالشفافية والمساءلة في سياساتنا لتصدير الأسلحة. يجب أن يخضع الوزراء لنفس المعايير القانونية والأخلاقية التي يزعمون أنهم يلتزمون بها، ويجب تمكين الموظفين المدنيين من تقديم المشورة المحايدة دون خوف من التدخل السياسي، ويجب حماية المبلّغين عن المخالفات، وليس معاقبتهم، لقولهم الحقيقة".

رسالة بشأن غزة

وفي ختام مقاله دعا زملاءه السابقين إلى رفض التواطؤ، موجهاً كلامه لهم: "لا تصادقوا على التقارير التي تُبرئ الجرائم ضد الإنسانية. هذا ليس دفاعاً عن النفس بل إنه عقاب جماعي وإبادة جماعية. لقد انتهى وقت الصمت، لا تسمحوا للوزراء بمقايضة الأرواح البشرية بالمصالح السياسية. لقد حان وقت المساءلة، لا يمكن أن يكون الوضع في غزة أكثر حدة، الآن يقترح أقرب حليف للمملكة المتحدة الطرد الجماعي لـ2.1 مليون شخص من غزة، وهدم واحدة من أكثر المناطق المدنية كثافة سكانية على وجه الأرض، وهذا تطهير عرقي".

المساهمون