حلف الأطلسي على محك تأزم العلاقة الأميركية الأوروبية

03 مارس 2025
أمين عام حلف الناتو مارك روته بقمة لندن، 2 مارس 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وأوروبا بسبب رغبة إدارة ترامب في إنهاء الحرب الأوكرانية، مما يضع حلف الناتو في موقف حرج ويثير تساؤلات حول مستقبل الحلف وتوازن القوى بين الحلفاء.
- تتبنى إدارة ترامب نهج "أميركا أولاً"، مما يثير احتمالية الانفصال عن الناتو ويضعف الثقة بين الحلفاء، خاصة مع تصريحات ترامب التي تشكك في التزامات الحلف الدفاعية.
- تواجه أوروبا تحديات كبيرة في حال تراجع الدعم الأمريكي، حيث تعتمد بشكل كبير على التسلح والمعلومات الاستخبارية من الولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى عواقب سياسية واقتصادية وخيمة.

مع تدحرج أزمة علاقة الحليفين الأميركي والأوروبي، على خلفية رغبة إدارة دونالد ترامب في وقف الحرب الأوكرانية، أصبح التحالف عبر الأطلسي (ناتو) وكأنه على المحك.

الانخراط الأوروبي في دعم أوكرانيا منذ بدء الحرب في 2022، بات يتضارب ورغبات ترامب. ذلك يفرض أسئلة حول مستقبل حلف شمال الأطلسي (ناتو) خصوصا مع تضارب القراءات حيال روسيا. فاختلال توازن الحلف، مع هبوط مستوى الثقة بين الحلفاء يعني تأثيرات على مناطق نفوذ ومصالح أميركية في مناطق أخرى، بما في ذلك آسيا.

تضارب القراءتين... ناتو على المحك

التوتر في علاقة الجانبين ليس وليد سجال ترامب ونائبه جي دي فانس مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. فاللعب على حافة الهاوية، بأشكال مختلفة، يعود إلى ما قبل ثماني سنوات، عندما ترشح ترامب للرئاسة في 2016. حينها اعتبر الرجل أن حلف "ناتو" بات "قديما". وخلال فترته السابقة حاول القادة الأوروبيون تجنب المواجهة معه. ذلك على الأقل ما تكشفه خفايا الأزمة المستجدة مع كوبنهاغن بسبب تجدد طلبه السيطرة على جزيرة غرينلاند. ويبدو أن دبلوماسية "الحفاظ على هدوء الأعصاب" لم تعد كما كانت قبل سنوات.

والآن يقف الأوروبيون أمام واقع قديم - جديد، وأكثر انكشافا وخطورة من "تمرير 4 سنوات" ترامبية سابقة (حتى مطلع 2021). هذا إذا واصل ترامب إدارة الظهر لأوروبا. فبعد ثمانين سنة من التحالف أصبح الحلف على المحك، إذا ما أدارت الإدارة الأميركية الظهر له، أو حاولت تقسيم الأوروبيين فيه.

قراءة ترامب المتشددة لمصالح "أميركا أولاً" باتت تطرح فرضية الافتراق حتى من تحت مظلة الناتو. واللافت في المعضلة التي يعيشها الحلف عبر الأطلسي أن روسيا في صلب اختلافه. وبرأي أطلسيي أوروبا، فإن حلفهم الذي توسع منذ تفكك المعسكر الشرقي إلى 32 دولة بات قارتين متضاربتين.

من ناحيتها، ترى واشنطن أن مصالحها القومية تتطلب مواجهة الصين. وأوروبا في السياق لم تعد محور الاهتمام، بل منطقة آسيا. وزير دفاع ترامب، بيت هيغسيث، أوضح في اجتماع وزراء دفاع الناتو في بروكسل الشهر الماضي بأن "الحقائق الاستراتيجية تمنع الولايات المتحدة من التركيز بشكل أساسي على أمن أوروبا".

معسكر ترامب يرى أن مشاغل الأطلسي تغيرت كثيرا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي. وهو بنفسه طرح في ولايته السابقة ضرورة "إعادة التفكير" بالحلف، راميا حجر تشكيك في مياه ميثاقه (المادة الخامسة) حول أن جميع دول الحلف ستهرع لمساعدة الدولة التي تتعرض لهجوم. أيضا جاءت تصريحاته حول أن لروسيا فعل ما تشاء مع أطلسيي أوروبا، الذين لا يخصصون أموالا كافية للمسائل الدفاعية، لتزيد التشاؤم.

ببساطة، ترى إدارة ترامب أن تحقيق مصالحها وتركيزها على الصين يتطلب وقف الحرب الأوكرانية، لأنها لا ترغب بتحول روسيا إلى دولة ضعيفة تابعة لبكين، لذا يجب قطع طريق تعزيز العلاقة الصينية- الروسية، ولو بجعل موسكو شريكا غربيا على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي. وبحسب وزير خارجية ترامب، ماركو روبيو في مقابلة له مع موقع بريتبارت اليميني المتطرف، فإن "استمرار الحرب الأوكرانية يعني أن روسيا ستصبح معتمدة على الصين بشكل متزايد". ومن المعروف أن ذلك يتطلب سلاما ولو بتنازل أوكراني لروسيا، وفقا لواشنطن.

في المقابل، تواصل أغلبية حلف "ناتو" الأوروبي، مع وجود تيار أقل حدة تجاه بوتين، اعتبار الجار الروسي مهددا لدوله. وعليه يتمسكون بمحاولة إضعافه ليخسر الحرب في أوكرانيا ولا يعيد بناء ترسانته العسكرية، أو يشكل تهديداً للأمن الأوروبي. على هذه الخلفية  يهرع ساسة أوروبيون كثر، من أقصى الشمال الإسكندنافي وصولا إلى بريطانيا، نحو اعتبار تصدي أوكرانيا لروسيا بمثابة  تصد وجدار صد عن كل الأوروبيين، ويستحق الدعم ماليا وعسكريا. واختزلت الدنماركية ميتا فريدركسن ذلك بقولها إن "أوكرانيا تقاتل من أجل أوروبا كلها".

تقارير دولية
التحديثات الحية

وخشية أوروبا من انتصار روسيا وتوسعها هي خشية عميقة في قراءاتهم لسياسات تدخل موسكو في السنوات الماضية، وعلى الأقل منذ 2014 في أوكرانيا، وما يرونه تهديدا مستمرا في منطقة بحر البلطيق لأغلب دوله السوفييتية السابقة ودول الشمال.

خسارة أميركية... من أوروبا إلى آسيا

من الواضح أن أوروبا، أقله في تصريحات اجتماعات لندن، مصرة على دعم الطرف الأوكراني، مع أو بدون واشنطن، حتى ولو تصادم ذلك مع رغبة الأخيرة. عليه تحاول القارة تسريع إعادة التسلح، ولو من خارج الهياكل الدفاعية التي تم بناؤها داخل الحلف الأطلسي.

لكن اعتماد أوروبا على التسلح من أميركا يعد معضلة جدية. بل إذا أوقف ترامب مد كييف بسلاح أميركي فهذا سيضع مخازن أوروبا أمام معضلة عميقة. ذلك إلى جانب أن دول الناتو الأوروبية تعتمد كثيرا على المعلومات الأمنية-الاستخبارية الأميركية.

وبالنسبة لسؤال ما إذا كان الأميركيون سوف يتخلون فعليا عن أوروبا، رأى الأستاذ المشارك في أكاديمية الدفاع الدنماركية، بيتر فيغو ياكوبسن في حديثه لصحيفة بوليتيكن في كوبنهاغن، السبت، أنه احتمال وارد، لكن بعواقب سياسية واقتصادية وخيمة للغاية على الأميركيين. وثمة معضلة للأوروبيين برأي ياكوبسن في أن مشتريات أسلحتهم من واشنطن تصل إلى 70%. كغيره يأمل عودة الأميركيين إلى الرشد، ليس فقط لأن أوروبا كتلة تجارية كبيرة، بل لحاجة أميركا لها في ما يتعلق بالسياسة الأمنية والجيوسياسية.

ترامب أيضا يعاني تحديا إذا حصل شرخ مع  الكتلة الأوروبية في حلف الناتو، بما يصعب على بلاده التفوق على الصين على المدى البعيد. إلى جانب ذلك رأى ياكوبسن أن انهيار التحالف الأميركي-الأطلسي سيشكل تأثير دومينو كارثيا للأميركيين في آسيا، حيث يمكن حدوث انهيار مماثل بسبب افتقاد حلفاء واشنطن، كاليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وأستراليا، الثقة بالأميركيين في حالة الحرب.

في المجمل، فإن زعزعة تحالف الناتو، سواء بفرضية تجميد أميركا عضويتها، أو تقسيم الحلف إلى أجنحة وتأليب الدول الأوروبية ضد بعضها، بسبب تضارب التوجهات نحو روسيا، يعني أن الغرب سيكون أمام متواليات تأثير سلبي لا حصر لها، وإلى حد خلخلة أسس النظام الدولي القديم، المتشكل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945. ذلك أمر يرضي المنظرين لقطبية متعددة.