استمع إلى الملخص
- يُستخدم حاجز تياسير كجزء من استراتيجية إسرائيلية للتضييق على الفلسطينيين بهدف تهجيرهم لصالح المستوطنات، حيث يتعرض السكان للإذلال والتفتيش الدقيق، مما يعكس سياسة الاحتلال في السيطرة على المنطقة.
- يتكبد المزارعون الفلسطينيون خسائر سنوية تُقدّر بحوالي 50 مليون دولار بسبب القيود على حركة البضائع، مما يؤثر على الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير.
لأكثر من ثلاث ساعات بقي الأستاذ المدرسي محمود العبد ينتظر دوره، اليوم الثلاثاء، للسماح له بالمرور بمركبته نحو قرية العين البيضا في الأغوار الشمالية الفلسطينية عبر حاجز تياسير العسكري الإسرائيلي قادماً من مدينة طوباس ليلتحق بعمله في المدرسة. ولكن مع مرور كل هذا الوقت وحقيقة أنه ما زال أمامه طابور طويل لم يعد مجدياً الذهاب إلى عمله، فقرر العودة أسوة بآلاف المواطنين على جانبي الحاجز، الذي أغلقه الاحتلال بشكل كامل عقب العملية الفدائية التي نفذها صباح اليوم أحد المقاومين وأدت إلى مقتل جنديين وإصابة آخرين بجراح خطيرة في موقع عسكري ملاصق للحاجز.
وقال محمود العبد (47 عاماً)، في حديث لـ"العربي الجديد": "وصلت نحو الساعة السابعة إلا ربعاً، قبل إعلان وقوع العملية، لأفاجأ بطابور طويل جداً من المركبات على غير المعتاد. فعادة يكون هناك نحو عشرة مركبات أو أكثر بقليل، وخلال نصف ساعة تقريباً يُسمح لنا بالمرور بعد التدقيق في هوياتنا وتفتيش سريع للمركبة، وبالتالي أصل في الوقت المناسب. لكن بعض وصولي بدقائق انتشر خبر العملية، وأدركت أن الأمور ستكون أصعب، وبالفعل مع العاشرة صباحاً، وبعد أن أدركت استحالة فتح الحاجز، رجعت إلى بيتي".
وقال هارون أبو وهدان، رئيس مجلس قرية تياسير، الواقعة شرق طوباس، التي يُنسب إليها الحاجز، إن "الاحتلال لم يسمح اليوم لأحد بالمرور بالاتجاهين، وهذا شمل، إضافة إلى المعلمين والطلبة، شاحنات المزارعين التي تحمل الخضار والمنتجات الزراعية نحو طوباس، ومنها إلى نابلس وبقية مدن الضفة، لأن الأغوار سلة غذاء الضفة، وكذلك جميع الموظفين والأطباء وحتى المرضى". وأشار أبو وهدان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن قوات الاحتلال "نصبت الحاجز قبل اندلاع الانتفاضة الثانية نهاية عام 2000، وبعد اندلاعها عززت من وجودها على الحاجز، وأجرت فيه أعمال توسعة وتحسينات، ليتحول إلى ما يشبه معبراً كبيراً، وكررت الأمر ذاته على حاجز الحمرا، المقام على أراضي الفلسطينيين، وبالتالي قطع منطقة الأغوار عن محيطها بشكل كامل".
ويوضح أبو وهدان أنه عند وقوع أي عملية فدائية بالضفة أو حتى في الداخل المحتل، يصبّ جنود الاحتلال جام غضبهم على الفلسطينيين الذين يتنقلون عبر الحاجز، حيث "يتفننون في إذلالنا، وسط انتظار لساعات طويلة في الصيف الحار مع إجبارنا على إغلاق المكيف، أو في الشتاء القارس ومنع استخدام التدفئة، وفي كثير من الأحيان إجبار الركاب على الخروج والبقاء في العراء بعد تفتيشهم والاعتداء عليهم. وأقلها إجراء تحقيق مفصل مع الركاب عن وجهتهم وطبيعة عملهم مع تفتيش أجهزتهم المحمولة وتصوير وجوههم وبطاقاتهم الشخصية".
ويقول الناشط في مقاومة الاستيطان فارس فقها لـ"العربي الجديد": "إن حاجز تياسير يعيق الحركة مباشرةً ويومياً لآلاف المواطنين الذين يعيشون خلفه في أكثر من 40 تجمعاً قروياً مثل (بردلا) و(كردلا) و(عين البيضاء) و(الفارسية) و(عين المالح)، و(تل الحمة) وعشرات الخرب الرعوية"، مؤكداً أن "الهدف من الحاجز ليس أمنياً كما يدعي الاحتلال، بل للتضييق على السكان المحليين بهدف تهجيرهم من أراضيهم لصالح المستوطنات والبؤر الاستيطانية الزراعية التي أقيمت في منطقة الأغوار الشمالية، مثل (روتم) التي أقيمت على أراضي منطقة (الفارسية)، و(ميحولا) التي تعد أول مستوطنة زراعية أقيمت في الضفة الغربية في أعقاب الاحتلال مباشرة عام 1967 على أراضي قرية عين البيضاء". ويلفت فقها إلى أن هذا الحاجز يحتل موقعاً استراتيجياً، إذ أقيم في منطقة جغرافية تشبه عنق الزجاجة، وليس هناك من سبيل للمتوجهين للأغوار أو المغادرين لها لدخول المنطقة إلا من طريقه بسبب التضاريس الجغرافية الجبلية الصعبة في المنطقة.
ويعتبر المزارعون الخاسر الأكبر من حاجز تياسير، فالاحتلال يحتجز منتجاتهم الزراعية لساعات طويلة قبل السماح بمرورها، ما يتسبب بتلفها ونقص مدة صلاحيتها، ولا سيما المنتجات الحيوانية من ألبان وأجبان التي تتعرض للتلف بسبب الانتظار الطويل على الحواجز. ويصف المزارع نائل صوافطة، في حديث لـ"العربي الجديد"، الإجراءات التي يطبقها الاحتلال على حاجز تياسير وحاجز الحمرا بأنها "غير مسبوقة"، ويقول: "بمجرد أن يعلم الجنود أننا مزارعون وذاهبون للزراعة أو القطف يتم تأخيرنا، وفي كثير من الأحيان لا يسمحون لنا بالوصول إلى أراضينا، وعندما تقف شاحنة محملة بالمنتجات في طريقها إلى السوق المحلي تُحتجَز أيضاً أو تُجبَر على الرجوع، وفي كل الأحوال خسائرنا باهظة جداً". ويلفت صوافطة إلى أن حاجز تياسير مقام وسط أراضٍ رعوية ممتدة، ولا يسمح للرعاة برعي مواشيهم بحرية، ويُلاحَقون يُطلَق الرصاص عليهم ويُحتجَز الراعي والقطيع، ولا يُطلَق سراحهم إلا بعد التعهد بعدم العودة للرعي في كل المنطقة القريبة من الحاجز.
وكانت دراسة نُشرت في مجلة الدراسات الفلسطينية حول واقع الزراعة بعد السابع من أكتوبر 2023، قد أشارت إلى أنه وفقاً لتقديرات تقرير الأونكتاد "التقرير الاقتصادي عن فلسطين"، فإن الخسائر السنوية للمزارعين الفلسطينيين في الأغوار تُقَدَّرُ بحوالى 50 مليون دولار، وذلك نتيجة للقيود المفروضة على حركة البضائع عبر الحواجز والمعابر، ما يؤدي إلى تأخير أو إتلاف المنتجات الزراعية. وتُسهم الأغوار بحوالى 60% من إنتاج الخضروات في الضفة الغربية، و30% من إنتاج الفواكه (وزارة الزراعة الفلسطينية 2023)، ما يجعلها عنصراً حاسماً في الاقتصاد الفلسطيني.