عودة الحياة لتحقيقات انفجار مرفأ بيروت: التغيير السياسي فرصة لإنهاء التعطيل والترهيب

16 يناير 2025
من إحياء ذكرى انفجار مرفأ بيروت، 4 أغسطس 2024 (حسين بيضون)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استئناف التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت بقيادة القاضي طارق البيطار يواجه تحديات من عدم تعاون النيابة والضغوط السياسية، وسط تعهدات من المسؤولين بتحقيق العدالة.
- التغييرات السياسية والقضائية، مثل تعيين مجلس قضاء أعلى فعّال، تعزز التفاؤل بتجاوز العراقيل وتحقيق تقدم في التحقيقات.
- تفاؤل أهالي الضحايا والمجتمع الدولي بجهود الحكومة الجديدة لتحقيق العدالة، مع دعوات لإنهاء الحصانة والفساد، وبدء مرحلة تركز على الحقوق والشفافية.

يعود ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت إلى الواجهة مع تداول معلومات تفيد باستئناف المحقق العدلي القاضي طارق البيطار عمله في الأيام المقبلة وذلك بعد سنوات من الجمود والعرقلة والضغوط السياسية من أجل طمس القضية والحؤول دون كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين. ويسود تفاؤل بتعاط مغاير مع ملف التحقيقات من قبل المؤسسات والمسؤولين في ظلّ تعهدات بالمحاسبة وبناء دولة القانون والمؤسسات والشروع بورشة إصلاحية متكاملة شاملة سياسياً واقتصادياً وقضائياً، سواء تلك التي رفعها رئيس الجمهورية المنتخب حديثاً جوزاف عون أو الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نواف سلام، الذي حرص في كلمته الأولى بعد تسلمه مهامه، أول من أمس الثلاثاء، على التطرق إلى قضية انفجار المرفأ، مشدداً على أنه "سنعمل بكل طاقاتنا لإنصاف الضحايا وتحقيق العدالة لهم ولذويهم". ويعوّل اللبنانيون وأهالي الضحايا على أن تنسحب التطورات المتسارعة التي تشهدها البلاد والتغييرات التي تشهدها أعلى مراكز الدولة على ملف انفجار مرفأ بيروت، خصوصاً أن رئيس الوزراء المكلف يأتي من عالم القانون والعدل والقضاء، إضافة لرئاسته محكمة العدل الدولية، التي اتخذ فيها جملة أحكام مشهود لها، خصوصاً في القضية الفلسطينية.

استئناف تحقيقات انفجار مرفأ بيروت

تقول أوساط مقرّبة من البيطار لـ"العربي الجديد"، إن "القاضي البيطار سبق أن أعلن أنه مستعدّ لمتابعة التحقيقات ولم يخش يوماً الضغوط والخطابات العالية السقف بوجهه أو التحديات، لكن هناك عراقيل حالت دون استئنافه مهامه وتحديد جلسات الاستجواب، علماً أنه خلال كل فترة التعطيل استمر بدراسة الملف ومتابعته نظراً لأهميته". وتشير الأوساط إلى أن "هناك تغييرات كثيرة تشهدها البلاد، خصوصاً بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان، وانتخاب رئيس للجمهورية سيعيد اكتمال عقد المؤسسات، ورأينا ذلك مع تكليف القاضي سلام بتشكيل الحكومة الجديدة، وسنراها لناحية استحقاقات وملفات أخرى، منها مجلس القضاء الأعلى وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، وغيرها من التعيينات التي كانت تنتظر ملء الشغور في سدة الرئاسة الأولى واستخدمت واستغلت في كثير من الأحيان لتعطيل ملف انفجار المرفأ".


يوسف لحود: لم نتبلغ بصفتنا مكتب ادعاء أصولاً عودة القاضي طارق البيطار للتحقيق

من جهته، يقول عضو مكتب الادعاء في نقابة المحامين عن انفجار مرفأ بيروت يوسف لحود لـ"العربي الجديد"، إنهم لم يتبلغوا بصفتهم مكتب الادعاء أصولاً عودة القاضي طارق البيطار للتحقيق، "ونتابع الملف، وسنطلع عليه قريباً، إذ إن المطلوب عودة البيطار إلى التحقيق، فهذه القضية ليست فردية بل وطنية ولا يجوز تجميدها". وحول العراقيل التي يمكن أن تواجه البيطار في حال استئنافه التحقيقات، يرى لحود أن أي عراقيل ستظهر ستتبين مصادرها وسنعالجها، مشدداً على أن هناك حركة جديدة في الحياة السياسية، وستكون هناك تشكيلات قضائية، وسيتم تعيين مجلس قضاء أعلى فعّال كان فاقداً نصابه لفترة طويلة، وعلى ضوء ذلك تتحرك الصورة بشكل أفضل. ويلفت لحود إلى أن "هناك أنواعاً عديدة من العراقيل، أهمها عدم تعاون النيابة العامة التمييزية وتلك العدلية في ملف انفجار مرفأ بيروت مع المحقق العدلي، في ظل تباين المواقف والآراء في المواقف بين المرجعين، ما أدى إلى العرقلة".

ويعبّر عن تفاؤله ووضع كامل الثقة بالبيطار، موجهاً رسالة إلى المرجعيات القضائية وغير القضائية لتسهيل مهمة المحقق العدلي. ويتوقف لحود عند أهمية بروز ملف انفجار مرفأ بيروت في كلمة سلام بعد اجتماعه مع رئيسي الجمهورية جوزاف عون والبرلمان نبيه بري، أول من أمس الثلاثاء، خصوصاً أن المسألة وطنية ويجب أن تكون في سلم الأولويات، وعلى كل مسؤول بحسب صلاحياته أن يكون مهتماً بها. أيضاً، ينظر لحود بتفاؤل إلى تولي سلام رئاسة الحكومة وهو ما يمكن أن ينعكس ايجاباً على تعاطيه مع ملف انفجار مرفأ بيروت باعتبار أنه قاض ورئيس لمحكمة العدل الدولية.

ومن المنتظر أن يحدد البيطار جلسات استجواب للمدعى عليهم بالقضية الذين عمل معظمهم خلال الفترة الماضية على عرقلة المسار القضائي، من خلال دعاوى المخاصمة والرد واغتصاب السلطة التي لم تقتصر على المحقق العدلي بل طاولت قضاة مرتبطين بالملف، خصوصاً تلك التي تقدّم بها مدعى عليهم محسوبون على حركة أمل وحزب الله. ومن أبرز المدعى عليهم في القضية رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب، وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، وزير الأشغال العامة الأسبق النائب غازي زعيتر، وزير المال الأسبق النائب علي حسن خليل، وزير الأشغال الأسبق يوسف فنيانوس، المدير العام للأمن العام السابق عباس إبراهيم، مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، وغيرهم من كبار الموظفين في الدولة، إلى جانب قضاة على رأسهم النائب العام التمييزي غسان عويدات، الذي تسبب منذ مطلع عام 2023 بكف يد البيطار بعد قراره استئناف التحقيقات.

وادعى عويدات على البيطار بتهمة اغتصاب السلطة في 25 يناير/ كانون الثاني 2023، ومنعه من السفر، وقرر منع جميع الأجهزة الأمنية من تنفيذ قراراته، كما أمر بإطلاق سراح جميع الموقوفين بالقضية، علماً أن عويدات تجاوز قرار محكمة التمييز بقبول تنحيه عن القضية، بفعل صلة القرابة التي تربطه بالمدعى عليه زعيتر (ينتمي إلى حركة أمل برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري). وأتت خطوة عويدات رداً على استئناف البيطار التحقيقات في 23 يناير 2023، وإخلائه سبيل خمسة موقوفين من أصل 17، والادعاء على ثمانية أشخاص جدد، من ضمنهم عويدات وقضاة وقادة أمنيون، وتعيين مواعيد لاستجواب مدعى عليهم آخرين، ضمنهم وزراء سابقون وضباط في الجيش. ويصعب على البيطار إصدار القرار الاتهامي باعتبار أن هناك نقاطاً قانونية يجب المرور بها، منها استكمال التحقيق والاستجوابات وغيرها من الخطوات التي يتعذّر عليه القيام بها، خصوصاً أن قاضي التحقيق لا يمكنه إصدار قرار كهذا من دون عرض ملف انفجار مرفأ بيروت على النيابة العامة لإبداء المطالعة النهائية بالأساس، بينما هي ترفض التعاون معه ولا تستلم منه أي ورقة وتعتبره مكفوف اليد.


أبدى أهالي ضحايا انفجار المرفأ تفاؤلهم برئيس الحكومة المكلف

تفاؤل أهالي الضحايا

في هذا الإطار، أصدر تجمع أهالي شهداء وجرحى ومتضرري انفجار مرفأ بيروت بياناً، أول من أمس الثلاثاء، جاء فيه "تلقفنا بأمل ما ورد في برنامج عمل رئيس الحكومة المكلف القاضي نواف سلام بخصوص العمل على تحقيق العدالة لأهالي شهداء المرفأ، وهي غاية مرادنا إضافة للحقيقة الكاملة والمحاسبة ولو لأول مرة في لبنان، ونحن مستعدون لوضع كامل الوثائق التي بحوزتنا بين يديه للاطلاع عليها بدقة كونه قاضياً، بعدما أودعناها للعديد من الأجهزة المختصة من دون جدوى حتى الآن". وأضاف البيان "نحن بصفتنا أولياء دم نرفض رفضاً قاطعاً أن تسيّس قضية فلذات أكبادنا في زواريب التجاذبات والاستهدافات السياسية ونعتبرها المقتل لقضيتنا الوطنية والإنسانية". في السياق نفسه، حثت منظمة هيومن رايتس ووتش الرئيس عون على تحقيق المساءلة في لبنان، خصوصاً ما يتعلق بانفجار مرفأ بيروت في أغسطس/ آب 2020. واعتبرت المنظمة في بيان عقب انتخاب عون لرئاسة الجمهورية، أن "انتخاب عون يمثل فرصة لإنهاء عقود من الحصانة التي رسّخت انتهاكات حقوقية خطيرة"، وذلك في إشارة إلى عهد الرئيس السابق ميشال عون، الذي استخدمت فيه حصانات النواب والمسؤولين اللبنانيين المدعى عليهم في القضية لعرقلة التحقيقات.

وأضافت المنظمة: "لطالما دعت هيومن رايتس ووتش إلى تحقيق المساءلة في لبنان، وخصوصاً في ما يتعلق بانفجار مرفأ بيروت وانتهاكات قوانين الحرب، بما فيها جرائم الحرب، خلال الأعمال القتالية بين إسرائيل وحزب الله في 2024. كما سلطنا الضوء على الحاجة الملحة إلى اعتماد قانون بشأن استقلال القضاء يفي بالمعايير الدولية، والمزيد من الشفافية في العمل الحكومي، ووقف الممارسات الفاسدة التي أضعفت المؤسسات العامة في البلاد وأدت إلى تدهور الخدمات العامة كالكهرباء والتعليم". وختمت "سيُحكَم على عون والحكومة اللبنانية الجديدة من خلال أفعالهما. وستبدأ مرحلة جديدة من تاريخ لبنان عند تنفيذ أجندة جديدة تعطي الأولوية للحقوق على المحسوبية".

المساهمون