استمع إلى الملخص
- إقليم خاتمو شهد توترات تاريخية ومعارك بين قوات صوماليلاند ومسلحي عشيرة طولبهنتي، مما أدى إلى تشكيل ولاية فيدرالية جديدة في أغسطس 2023.
- الزيارة أثارت غضب صوماليلاند وبونتلاند، وعززت من موقف الحكومة الفيدرالية في تقديم الخدمات الأساسية، مما يمهد لدخول المنظمات الإنسانية.
أثارت زيارة رئيس الحكومة الصومالية الفيدرالية حمزة عبدي بري إلى مدينة لاسعانود، عاصمة إقليم خاتمو، يوم السبت الماضي (12 إبريل/نيسان الحالي)، عاصفة من ردود الفعل المحلية، حيث وصفتها إدارة إقليم صوماليلاند بأنها تقوض الاستقرار والأمن في المنطقة، وتنسف جهود الوساطة الدولية بين الصومال وصوماليلاند، في حين اعتبرتها حكومة مقديشو بأنها زيارة وحدة وسلام للأمة الصومالية، لنبذ الفرقة وإعادة اللحمة إلى مكونات المجتمع الصومالي.
زيارة "تاريخية" إلى خاتمو
وقال رئيس الحكومة الفيدرالية أمام حشد جماهيري في مدينة لاسعانود، إن هذه الزيارة تاريخية وتهدف إلى تعزيز الوحدة والسلام وروح التضامن والأخوة بين الصوماليين.
تعطي الزيارة إدارة إقليم خاتمو شرعية من قبل حكومة مقديشو، باعتبار أنه بات جاهزاً للانضمام إلى النظام الفيدرالي
وشهدت مدينة لاسعانود مطلع عام 2023 معارك طاحنة بين قوات من منطقة صوماليلاند ومسلحي عشيرة طولبهنتي التي تقطن إقليم سول. وبعد أشهر من المعارك، تمكّن مسلحو العشيرة من طرد قوات صوماليلاند، وأعلنت العشيرة عن تشكيل ولاية فيدرالية (خاتمو) لا صلة لها بإدارة هرجيسا (عاصمة إقليم صوماليلاند)، في أغسطس/آب 2023. وصنّفت وزارة الداخلية في الحكومة الصومالية عام 2024 الإقليم بأنه يتمتع بحكم شبه ذاتي ولم يعد جزءاً في إقليم صوماليلاند.
وتأسس إقليم خاتمو عام 2009 في المنفى علي يد السياسي الراحل علي خليف كلير، والذي كان من دعاة التصالح مع إقليم صوماليلاند وعدم تهميش عشيرة طولبهنتي، إلا أن صوماليلاند لم توله آذاناً صاغية، وشهد الإقليم لسنوات عديدة تحديات أمنية واغتيالات طاولت نخبته وعدداً من سياسييه، ما أدى إلى تفجر الوضع الأمني في مدينة لاسعانود عام 2023، وتحول هذا الانفجار إلى معارك طاحنة بين قوات صوماليلاند ومسلحي العشائر، انتهى إلى طرد قوات صوماليلاند منتصف ذلك العام.
ووفق متابعين، فإن زيارة رئيس الحكومة الفيدرالية إلى هذا الإقليم في ظل خلافات شائكة بين صوماليلاند والحكومة الفيدرالية، تعطي إدارة الإقليم شرعية من قبل حكومة مقديشو، باعتبار أنه بات جاهزاً للانضمام إلى النظام الفيدرالي. كما أن هذه الزيارة تنسف من الأساس جهود إقليم صوماليلاند للتصالح مع عشيرة طولبهنتي التي تقطن الإقليم للعودة إلى أحضان هرجيسا، في وقت دعا فيه برلمان صوماليلاند يوم الجمعة الماضي، إلى عقد مؤتمر عام بين العشائر في الإقليم للبحث عن المستجدات الأخيرة في لاسعانود. كما حثّ النواب الحكومة المحلية على الانسحاب من المفاوضات مع الحكومة الفيدرالية.
وفي هذا السياق، رأى الصحافي الصومالي عدنان علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن زيارة حمزة بري إلى إقليم خاتمو وضعت المسمار الأخير في نعش مشروع الانفصال لصوماليلاند، كما أنها تنسف سردية "المظلومية" التي تبنتها قيادات صوماليلاند لنيل الاعتراف وذلك منذ تسعينيات القرن الماضي، كما أن إمكانية مشاركة رئيس إقليم خاتمو عبد القادر أوعلي في المنتدى التشاوري للشركاء السياسيين في الصومال تبعد هذا الإقليم أكثر عن محور صوماليلاند، وسيكون عضواً في النظام الفيدرالي في البلاد الذي تأسس عام 2014.
وأشار عدنان علي إلى أن إقليم خاتمو من المحتمل أن يمثل ورقة ضغط في يد الحكومة الفيدرالية لمواجهة الأطماع الانفصالية من خلال التلويح بأن عشيرة طولبهنتي التي كانت جزءاً كبيراً في إقليم صوماليلاند اختارت طوعاً الانضمام إلى النظام الفيدرالي. وفي المقابل، بحسب علي، تكون حكومة مقديشو ملزمة بتوفير الخدمات الأساسية لسكّان الإقليم، وتسجيل الناخبين للمشاركة في الانتخابات المقبلة. كما أن زيارة حمزة تجعل هذا الإقليم مستقلاً لا علاقة له بإقليمي صوماليلاند وبونتلاند اللذين كان يتنازعان على السيطرة عليه منذ عام 2000، حيث كان نقطة سجال بينهما، وتمكن صوماليلاند من السيطرة عليه عسكرياً عام 2003 في ظل حكومة ريالي كاهن (رئيس إقليم صوماليلاند 2002-2010)، ما يمهّد الطريق لدخول المنظمات الانسانية الدولية والمحلية للتعامل مع السلطات هناك، وإلغاء وضعية الإقليم بما هو "منطقة متنازع عليها".
محمود محمد حسن: أكدت الزيارة رفض أبناء خاتمو لفكرة العودة للانضواء تحت حكم صوماليلاند
من جهته، أعرب الباحث المقيم في هرجيسا محمود محمد حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تلك الزيارة لعاصمة ولاية خاتمو، كانت خطوة رمزية بالغة الأهمية، وقد أكدت حصول تغير ملموس في موقف مقديشو المعلن والذي تمثل في الدعوة إلى حل المشكلات عبر الحوار، وتحوله إلى الدعم المعلن لإدارة ولاية خاتمو والانخراط في تفنيد مزاعم صوماليلاند بأن لها الهيمنة على كامل أراضي المحمية البريطانية السابقة. كما عزّزت الزيارة وفق الباحث، معنويات السكّان المحليين، وأكدت القناعة بأن لاسعانود جزء لا يتجزأ من الصومال الموحد، وذلك من خلال التواصل المباشر مع قادة وأهالي الولاية، بحيث عزز رئيس الوزراء شرعية الحكومة الفيدرالية في المنطقة، كما يمكن اعتبار ما حدث ردّاً عملياً على ما اعتاده السياسيون في صوماليلاند من التعرّض للحكومة الفيدرالية ومعايرتها بعجزها عن بسط سيادتها على بقع جغرافية بعينها.
واعتبر محمود محمد حسن أن زيارة رئيس الوزراء جاءت لنثر المزيد من الملح على جروح صوماليلاند، إذ إنها أقرّت برفض أبناء خاتمو لفكرة العودة للانضواء تحت حكم صوماليلاند، وقدمت دعماً سياسياً يشرعن وضع خاتمو الخاص خارج صوماليلاند وضمن إطار الدولة الفيدرالية الصومالية.
صوماليلاند وبونتلاند غاضبتان
وحول رد فعل إقليم صوماليلاند، رأى الباحث القيم في هرجيسا أن الإقليم عاجز عن القيام بأي رد فعل ذي قيمة على أي من المستويات، في ظل التلكؤ عن محاسبة المتسببين في المشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية التي أدّت إلى انعدام الخيارات أمام أبناء مدينة لاسعانود، سوى خيار قطع ارتباطهم بهرجيسا، واضطرارهم لحمل السلاح لتوضيح موقفهم ذلك. وبرأيه، فإن الأولوية القصوى لهرجيسا يبدو أنها تقوم على ترتيب بيتها الداخلي، لتستجيب للأوضاع السيئة التي خلّفتها حكومتها السابقة أولا، والتعامل مع قضايا خطيرة وملحّة على رأسها التعامل مع مسألة أهالي ولاية خاتمو وقياداتها العشائرية والسياسية للوصول إلى تسوية ما تمنع احتمالات المواجهة العسكرية، وتوقف حالة التوتر الأمني المضر بالاقتصاد، إضافة إلى فتح الطريق أمام إمكانية مستقبلية لشكل من أشكال الحوار يحقق مطالب الأهالي من جهة، ويحفظ ماء وجه صوماليلاند بشكل أو بآخر من جهة أخرى.
عدنان علي: ستكون حكومة مقديشو ملزمة بتوفير الخدمات الأساسية لسكّان الإقليم، وتسجيل الناخبين للمشاركة في الانتخابات
وحول أبعاد زيارة بري إلى لاسعانود وتأثيراته الداخلية والإقليمية، رأى محمود محمد حسن أن هناك منظورين رئيسيين، أولهما أن تلك الزيارة من حيث كونها زيارة لثاني رجل في قمة هرم السلطة في جمهورية الصومال الفيدرالية، فهي على الرغم من إيجابياتها الجمة للكيان السياسي الجديد لولاية خاتمو، فإنه غير ذي عائد سياسي حقيقي لإدارة الرئيس حسن شيخ محمود، لأسباب منها أن تلك الزيارة تعني تقديم وعود لا يمكن تنفيذها لأهالي الولاية، لاستحالة قدرتها على استكمال الشروط الدستورية لاعتماد الولايات الفيدرالية، وكذلك زرع بذور أسباب إضافية لتعقيد العلاقة مع ولاية بونتلاند، ذات الارتباط العشائري بالمنطقة التي يلعب أبناؤها أدواراً مهمة في سياسة بونتلاند. لكن من جهة أخرى، وفق رأيه فإن زيارة رئيس الوزراء الصومالي إلى لاسعانود، شاهدة على بزوغ نجم زعامة سياسية صومالية جديرة بتولي مقاليد البلاد في مستقبل الأيام، قادرة على القيام بكل ما يلزم في سبيل الاستجابة لمطالب جزء من شعبها، في سبيل وطن يريده موحدا، بغض النظر عن المخاطر الأمنية أو التبعات السياسية الآنية، لذا يمكن القول إن زيارة رئيس الوزراء قدمت للشعب الصومالي خياراً جديراً بالنظر والاعتبار في السباق الانتخابي الرئاسي المقبل (2026).
أما الباحثة الصومالية في مركز هرتيش للأبحاث سمية عبد القادر فوصفت في حديث لـ"العربي الجديد"، الزيارة بالتاريخية، وقالت إنه ليس بالإمكان أن تمر مرور الكرام، فللمرة الأولى وفق تعليقها، رفع العلم الصومالي عالياً في إحدى محافظات الشمال الصومالي، منذ إعلان استقلال صوماليلاند الأحادي الجانب قبل أكثر من 30 سنة. واعتبرت أن للزيارة دلالات سياسية تظهر في تدشين مكتب البطاقات الوطنية، لافتة إلى أنه "على الرغم من تصريح الرئيس حسن شيخ محمود أن الزيارة جاءت لتقريب وجهات النظر بين هرجيسا ولاسعانود، إلا أنه من الواضح أن هذا لم يكن سببها الحقيقي، بل يمكن القول إن أهم سبب كان لتحقيق طموح الرئيس في عقد انتخابات عامة مباشرة (صوت واحد للفرد)، وهذا ما يمكن أن يتحقق في محافظة سول (في خاتمو)، وبسلاسة تفوق قدرة عقد انتخابات في العاصمة مقديشو".
وتشهد العلاقات بين ولاية بونتلاند والحكومة الفيدرالية فتوراً منذ عام 2024، خصوصاً بعد إقرار التعديلات الدستورية حول الانتخابات واللجان الانتخابية، وتبدي إدارة بونتلاند امتعاضها عن هذه الزيارة، على الرغم من أن قياداتها لم تعبر عن هذا الغضب خشية أن يؤثر ذلك سلباً على المكون العشائري في بونتلاند.
وأعربت الباحثة عبد القادر عن اعتقادها بأن الزيارة جاءت أيضاً لاستفزاز بونتلاند التي كما يبدو تحافظ على الصمت وتراقب عن بعد حيث إنه يمكن أيضاً أن تحل لاسعانود محل جوبالاند وبونتلاند، الولايتين اللتين تمنحان الثقل السياسي لقبيلة دارود التي يمثلها رئيس الوزراء، والغائبتين عن المجلس الاستشاري الوطني، ما أعاق مسيرة التنمية وعرقل سياسات الحكومة. وشدّدت على أن وجود أغلب أعضاء مجلس الوزراء ومجلس النواب (في الزيارة) يبدو كإشارة بأن سول ستشارك في المجلس الاستشاري نكاية من مقديشو ببونتلاند وجوبالاند. ويريد رئيس الحكومة الفيدرالية من خلال هذه الزيارة، وفق الباحثة، إرسال رسالة مفادها بأنه يحظى بالقبول بين عشائر دارود على عكس ما يشاع.