استمع إلى الملخص
- الأزمة تتعلق بمحاولة اختطاف مزعومة للناشط الجزائري المعارض أمير بوخرص، حيث تطالب الجزائر بتسليمه منذ 2017، بينما ترى فرنسا أن التوقيف جاء في إطار تحقيق قضائي.
- التطورات تهدد العلاقات الثنائية، حيث ألغيت زيارة وزير العدل الفرنسي إلى الجزائر، مما يعكس تدهور الجهود لاستئناف اتفاق الشراكة بين البلدين.
أعلنت الحكومة الجزائرية اعتبار 12 موظفاً في السفارة الفرنسية لديها أشخاصاً غير مرغوب فيهم مع إلزامهم بمغادرة البلاد، في خطوة غير مسبوقة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين منذ استقلال الجزائر عام 1962، وتأتي رداً على قرار باريس توقيف موظف قنصلي جزائري اتهمت الجزائر وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو بالوقوف وراءه، وهددت برد حازم على أي تصرف آخر يمس الجزائر.
وفي وقت سابق اليوم الاثنين، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان- نويل بارو أن الجزائر طلبت من 12 موظفاً في سفارة فرنسا مغادرة الأراضي الجزائرية في غضون 48 ساعة، موضحاً أن القرار رد على توقيف ثلاثة جزائريين في فرنسا. وقال بارو في تصريح مكتوب وُجّه إلى صحافيين: "أطلب من السلطات الجزائرية العودة عن إجراءات الطرد هذه التي لا علاقة لها بالإجراءات القضائية الجارية" في فرنسا. وأضاف: "في حال الإبقاء على قرار طرد موظفينا، لن يكون لنا خيار آخر سوى الرد فوراً". وقال مصدر دبلوماسي لوكالة فرانس برس إن من بين الأشخاص الذين تنوي الجزائر طردهم موظفين تابعين لوزارة الداخلية.
ولم يذكر بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، مساء اليوم، هويات الموظفين أو وظائفهم التي يباشرونها، لكن بعض المصادر تتحدث عن أن أغلبية هؤلاء يتبعون للأجهزة الأمنية الفرنسية ويعملون في الجزائر في إطار مهام التنسيق الأمني بين البلدين المتعلقة بمكافحة الإرهاب والشرطة القضائية والهجرة غير الشرعية.
وكانت باريس أوقفت موظفاً قنصلياً هو القائم بالأعمال القنصلية الجزائرية بكريتاي (ضواحي باريس)، ووضعته رهن الحبس المؤقت، وذلك في إطار فتح تحقيق قضائي بشأن مزاعم اختطاف ناشط جزائري يدعو أمير بوخرص، الملقب بـ"أمير دي زاد" في 2024، وهو التوقيف الذي وصفته الجزائر بغير المقبول وبالانتهاك الصارخ للامتيازات.
وأكد بيان الخارجية الجزائرية أن هذا القرار يأتي إثر ما وصفته بـ"الاعتقال الاستعراضي والتشهيري في الطريق العام الذي قامت به المصالح التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية في الثامن من إبريل/نيسان (الجاري)، في حق موظف قنصلي لدولة ذات سيادة، معتمد بفرنسا"، مشيرة إلى أن "هذا الإجراء المشين والذي يصبو من خلاله وزير الداخلية الفرنسي إلى إهانة الجزائر، تم القيام به في تجاهل صريح للصفة التي يتمتع بها هذا الموظف القنصلي ودونما أدنى مراعاة للأعراف والمواثيق الدبلوماسية وفي انتهاك صارخ للاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة".
واتهمت الخارجية الجزائرية وزير الداخلية الفرنسي بالوقوف وراء ما اعتبرته "التصرف المتطاول على سيادتها"، وهددت بأن "أي تصرف آخر يتطاول على سيادتها من طرف وزير الداخلية الفرنسي سيقابل برد حازم ومناسب على أساس مبدأ المعاملة بالمثل". ووجهت توصيفات حادة إلى روتايو، ووصفته "بالوزير الذي يجيد الممارسات القذرة لأغراض شخصية بحتة، ويفتقر بشكل فاضح إلى أدنى حس سياسي"، مضيفة أنه قام "باعتقال مهين لموظف قنصلي محمي بالحصانات والامتيازات ومعاملته بطريقة مشينة ومخزية على شاكلة سارق".
وحملت الجزائر وزير الداخلية الفرنسي "المسؤولية الكاملة للمنحى الذي ستأخذه العلاقات بين الجزائر وفرنسا في الوقت الذي بدأت فيه هذه العلاقات دخول مرحلة من التهدئة إثر الاتصال الهاتفي بين قائدي البلدين، الذي أعقبته زيارة وزير خارجية فرنسا (جان نويل بارو) إلى الجزائر" في السادس إبريل/نيسان الجاري، كما كان من المقرر أن يزور وزير العدل الفرنسي جيرالد درامانان الجزائر في غضون أيام، وهي الزيارة التي من المؤكد أنها ستلغى على ضوء هذه التطورات.
وتتعلق القضية الخلافية الجديدة بما تزعم باريس أنها محاولة اختطاف الناشط أمير بوخرص، وتقول باريس إنّ ثلاثة أشخاص متهمين فيها لصالح السلطات الجزائرية، وبوخرص هو ناشط معارض يقيم في فرنسا منذ سنوات، ويهاجم السلطة الجزائرية باستمرار، وكانت السلطات الجزائرية قد قدمت إلى السلطات الفرنسية، منذ عام 2017، خمس طلبات لتسليمه، بعد إدانته من القضاء الجزائري في أكثر من قضية بالسجن، بتهم المساس بالأمن الوطني والوحدة الوطنية وإهانة هيئة نظامية وتسريب وثائق ومعلومات وغيرها، وفي مايو/أيار 2021، جرى تصنيفه على اللائحة الرسمية للإرهاب في الجزائر.
وتعني الخطوة الجزائرية الجريئة وغير المسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وقبلها القرار الفرنسي، انهياراً كاملاً لمساعي تسوية الأزمة السياسية بين البلدين القائمة منذ يوليو/تموز 2024، التي كانت اندلعت بعد قرار باريس الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وتطورت لاحقاً إلى عدد من القضايا تخصّ ترحيل المهاجرين وقضية الكاتب الفرانكوجزائري بوعلام صنصال وغيرها، إذ لم يمض سوى فترة أسبوع من زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى الجزائر، والحديث عن اتفاق لطيّ الأزمة، واستئناف العمل لاتفاق الشراكة الموقّع بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في أغسطس/ آب 2022، حتى عادت العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى مرحلة اسوأ ممّا قبل الزيارة.