أوروبا تدرس إعادة الخدمة العسكرية الإلزامية لمواجهة الخطر الروسي

16 مارس 2025
جنود بولنديون في مناورة عسكرية لحلف الناتو، كورزينيفو 4 مارس2024 (ماتيوش سلودكوفسكي/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تدرس أوروبا إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية لتعزيز الدفاع ضد التهديدات الروسية، وسط مخاوف من تراجع الالتزامات الأمريكية، مما يدفع لزيادة الإنفاق الدفاعي والحاجة إلى 300 ألف جندي إضافي.

- تواجه دول مثل فرنسا وبريطانيا تحديات في التجنيد، بينما يوجد دعم شعبي للخدمة الإلزامية في فرنسا وألمانيا، مع انقسام الآراء في إيطاليا وبريطانيا ومعارضة في إسبانيا. يُنصح بالاستفادة من تجارب دول الشمال الأوروبي لتعزيز الدفاع.

- رغم إلغاء التجنيد الإجباري في معظم أوروبا، حافظت دول مثل اليونان وفنلندا عليه، وأعادته ليتوانيا والسويد ولاتفيا. تفضل دول كبرى مثل فرنسا وألمانيا برامج تدريب طوعية للشباب بدلاً من الخدمة الإلزامية.

تدرس أوروبا إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية لتعزيز قدراتها الذاتية في مواجهة أي عدوان روسي في ظل حرب موسكو المستمرة منذ ثلاث سنوات ضد أوكرانيا، ويأتي ذلك على خلفية خشية هذه الدول من احتمال فك الولايات المتحدة ارتباطها الدفاعي وسحب ضماناتها الأمنية لأوروبا. لكن العديد من الدول، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا، تعاني لتجنيد المقاتلين والاحتفاظ بهم، وقد تكون إعادة فرض شكل من أشكال الخدمة العسكرية، الإلزامية أو الطوعية، أصعب.

وتزايدت المخاوف لدى أوروبا بشأن متانة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ظل التغييرات الجذرية التي يدخلها الرئيس دونالد ترامب على السياسة الخارجية الأميركية، وتشديده على وجوب أن تهتم أوروبا بأمن القارة. ومن باريس إلى وارسو، يسعى القادة لزيادة الإنفاق الدفاعي لدولهم، ويقرّ كل من المحللين العسكريين والحكومات الأوروبية بأن خطر العدوان الروسي حقيقي، بل أعلى بكثير مما كان عليه قبل ثلاث سنوات.

ويقول ألكسندر بوريلكوف، الباحث في معهد العلوم السياسية بجامعة هايدلبرغ،: "الجيش الروسي اليوم أكبر وأفضل مما كان عليه في 24 فبراير/شباط 2022 (تاريخ اجتياح روسيا لأوكرانيا). لدى الروس نيات عدائية تجاه دول البلطيق والجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي". وتفيد دراسة، شارك بوريلكوف في إعدادها لمركز بروغل البحثي ومعهد كيل، بأن أوروبا قد تحتاج إلى 300 ألف جندي إضافي لردع العدوان الروسي يضافون إلى 1,47 مليون عسكري في الخدمة حالياً، ويوضح الباحث أنه "يجب أن يؤدي التجنيد الإلزامي دوراً في (توفير) أعداد كبيرة من القوات الجديدة".

وبحسب استطلاع رأي أجرته مؤسسة يوغوف، تؤيد غالبية في فرنسا (68 بالمئة) وألمانيا (58 بالمئة) الخدمة العسكرية الإلزامية للشباب. وفي المقابل، ينقسم الإيطاليون والبريطانيون بشأنها، بينما يعارضها غالبية الإسبان (53 بالمئة)، لكن الدراسات تظهر أيضاً أن العديد من الأوروبيين غير مستعدين للدفاع عن بلدانهم في ساحة المعركة.

ويرى باحثون أن على سياسيي أوروبا الغربية التعلم من دول الشمال الأوروبي ودول البلطيق، وخصوصاً فنلندا والسويد. وتمتلك فنلندا التي تتشارك حدوداً طويلة مع روسيا وغزاها الاتحاد السوفييتي عام 1939، إحدى أكبر قوات الاحتياط في أوروبا. ويؤكد بوريلكوف أنه "لا يزال الانقسام بين الشرق والغرب مشكلة. قلة من الناس في أوروبا الغربية على استعداد للقتال"، ويعتبر أن إقناع الأوروبيين بالتطوع يتطلب حملات مناصرة.

وألغت معظم الدول الأوروبية التجنيد الإجباري بعد الحرب الباردة، باستثناء تسع دول لم تعلّقه بتاتاً، هي اليونان، قبرص، النمسا، سويسرا، الدنمارك، إستونيا، فنلندا، النروج وتركيا. وأعادت ليتوانيا العمل بالتجنيد الإجباري في 2015، بعد عام من ضمّ روسيا إلى شبه جزيرة القرم في جنوب أوكرانيا. وحذت السويد حذوها عام 2017، ولاتفيا عام 2023. ونظراً للتكاليف السياسية والاقتصادية، لا تعتزم معظم الدول الأوروبية الخمس الأكثر إنفاقاً في حلف شمال الأطلسي، أي فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا وبولندا، جعل الالتحاق بالقوات المسلحة إلزامياً.

وأعلنت بولندا، التي ألغت التجنيد الإجباري في عام 2008، أخيراً خططاً لتقديم تدريب عسكري لمئة ألف مدني سنوياً بدءاً من 2027، وسيكون هذا البرنامج طوعياً. وفي ألمانيا أعرب المستشار فريدريش ميرز عن تأييده لإعادة اعتماد سنة إلزامية يمكن للشباب خلالها أداء الخدمة العسكرية أو المجتمعية. وفي بريطانيا، سُرِّح آخر جنود الخدمة الوطنية عام 1963، ولا تخطط الحكومة للعودة عن ذلك. أما في فرنسا، حيث انتهت الخدمة الإلزامية عام 2001، فيبحث الرئيس إيمانويل ماكرون عن سبل لتشجيع الشباب على الخدمة العسكرية.

وتوضح الخبيرة الفرنسية بينيديكت شيرون التي تدرس الروابط بين المجتمع والقوات المسلحة: "في مجتمع ليبرالي، أصبح فرض القيود العسكرية شبه مستحيل"، مضيفة: "ما دام لا يوجد غزو، فإن تقبّل التكاليف السياسية لمعاقبة الرافضين للاستدعاء، يبدو أمراً لا يمكن تصوّره".

(فرانس برس)