مورغان أورتاغوس التي تكرهنا

25 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 02:53 (توقيت القدس)

أورتاغوس تصوّت ضدّ قرار وقف إطلاق النار في غزّة في مجلس الأمن بنيويورك (18/9/2025/Getty)

+ الخط -

لم يكن لجوء الولايات المتحدة إلى حقّ النقض (فيتو)، يوم الخميس الماضي، ضدّ وقف إطلاق النار في غزّة مفاجئاً، فهو السادس في ما يتعلّق بالعدوان على قطاع غزّة، ولن يكون الأخير لإدارة ترامب، التي تحوّلت وزارةَ دفاعٍ لإسرائيل، لا خارجيةً فقط. فاجأتنا مورغان أورتاغوس، التي رفعت يدها عالياً، وعلى نحو استعراضي ومستفزّ، وبكثير من الغطرسة الإمبراطورية في شأن يخصّ منطقةً صغيرةً جدّاً في العالم، تنهال عليها كمّيات ذخيرة تزيد قوتها التدميرية على القنابل النووية التي ألقيت على اليابان في الحرب العالمية الثانية، وبدا كأنّ أورتاغوس حقّقت حلماً عزيزاً لطالما راودها: أن تنتصر على قطاع غزّة ولو رمزياً، أن تبعث الرسائل إلى "قبيلتها" الدينية، بأنها هنا في الصفوف الأمامية دفاعاً عن "خِراف بني إسرائيل"، وأنها تنتظر تصفيقاً واحتضاناً دافئاً للمحاربة العنيدة التي لا تتراجع في حربها على "متوحّشي" الشرق الأوسط، الكارهين لليهود، الذين لا يملكون شيئاً سوى النفط.

ولا يُعرف على وجه الدقّة لماذا ألقت أورتاغوس كلمة بلادها في اجتماع الخميس الماضي لمجلس الأمن، خصوصاً أنها ليست المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، بل نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، فالمندوبة هي دوروثي شيا وليست أورتاغوس، ما يؤكّد على نحو ما احتمال أنها (أورتاغوس) سعتْ إلى المشاركة في الجلسة للتمتّع بشرف استخدام حقّ النقض ضدّ شعب صغير يتعرّض للإبادة غير الرحيمة من جيش أصدقائها في إسرائيل.

طبعاً لن تعدم من يقول لكَ إن لها صفةً رسميةً في البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة، وهي صفة مستشارة للبعثة، لكن هذا لا يمنحها تلقائياً دور من يخاطب المجلس أو يستخدم حقّ النقض، فللمندوبة الأصلية مساعدون على صلة وثيقة أكبر بعملها وبالأمم المتحدة، ما يرجّح سعي أورتاغوس، التي تعتبر مساندةَ إسرائيل مهمّةً رسوليةً في كل الأحوال والساحات، إلى المشاركة. ومن المدهش أن نعلم أن السيدة الأنيقة متحوّلة دينياً من التيار الإنجيلي إلى اليهودية، وأن ذلك حدث في مرحلة مبكّرة من حياتها، قبل أن تصل إلى الثلاثين من عمرها، وفي بغداد والرياض، وليس في تل أبيب. فقد اكتشفتْ (المُنتخَبة في مراهقتها ملكةَ جمالٍ للحمضيات والبرتقال في فلوريدا) أنها بحاجة إلى الإيمان بدين، حين كانت تعمل في بغداد، كأنّ المسيحية تمارين رياضية وليست ديناً، فأنشأت صلات عبر الإنترنت مع جماعات للتثقيف الديني اليهودي مقرّها في الولايات المتحدة، ومن خلال صديقها اليهودي (تزوّجته لاحقاً) عمّقت ثقافتها في اليهودية قبل أن تعتنقها في السعودية.

يبدو الأمر للوهلة الأولى جزءاً من سيناريو فيلم مبتذل عن التسامح الديني، وهو هنا ليس تسامحاً، بل تحوّلاً، وارتباطاً بالسياسة أكثر منه بالعقائد، وبالعنف الذي تمارسه إسرائيل بغطاء أمثال أورتاغوس، التي ترى في قيام دولة إسرائيل بشارة (وعلامة) إلهية على أن الرب يضيء أرواح أتباعه، وبالسيف يدافع عنهم. وهو ما تطبقه أورتاغوس فعلياً، فبعد تعيينها نائبةً لويتكوف (في فبراير/ شباط الماضي) زارت بيروت الخارجة من قصف إسرائيلي وحشي، ومن هناك أعلنت امتنانها لإسرائيل التي هزمت حزب الله، ولم تكترث لتقاليد المجتمع الذي تزوره، ولا للحساسيات العالية إزاء الرموز اليهودية هناك، بل تعمّدت وضع خاتم نجمة داود في إصبعها خلال لقائها بالمسؤولين اللبنانيين.

ولم يكن الأداء المستفزّ عفو الخاطر، بل ممنهجاً وبغرض الإهانة، وهو ما فعله لاحقاً توم برّاك مبعوث ترامب إلى سورية (رسمياً)، فالقوم يأتون هنا بذهنية الشاعر البريطاني روديارد كيبلنغ والحديقة الجميلة وسط الأدغال، ومن المدهش أن تكون الدولة الأكثر وحشية في العالم (إسرائيل) بالنسبة إلى هؤلاء القوم جزءاً أصيلاً من حديقتهم "الجميلة"، التي عليهم أن يدافعوا عنها بالانتقال إلى أرض الخصم (الأدغال) لوقف توحش سكّانها (!).

لماذا تكرهنا أورتاغوس؟... ليس هذا هو السؤال الذي سألته إدارة بوش بعد "11 سبتمبر" (2001): لماذا يكرهوننا؟ وبحثت إدارة أوباما عن سبل تفكيكه، بل لماذا تمنح نخب المنطقة أورتاغوس هذه الفرصة الذهبية بأن تكره وتتغطرس وتهين بينما هم يبتسمون. وللأمر علاقة بالكرامة في أول الأمر ومنتهاه، وهو ما لا نجده لدى بعضهم ممن ينتظرون زيارات أورتاغوس "الجميلة" التي "ستدعس" على رأس حزب الله وإيران بدلاً منهم. ألا بئس القوم هم.

زياد بركات
زياد بركات
قاص وروائي وصحفي فلسطيني/ أردني، عمل محررا وكاتبا في الصحافتين، الأردنية والقطرية، وصحفيا ومعدّا للبرامج في قناة الجزيرة.