احتمالات "انقلاب سياسي" في انتخابات العراق
تنقسم توقّعات المتابعين للشأن السياسي في العراق، بشأن الانتخابات البرلمانية المقبلة في نوفمبر/ تشرين الثاني، بين نوعَين. هناك من يصفها بأنها "حاسمة"، بينما يراها آخرون مجرّد انتخابات أخرى لن تحدُث فيها تغيرات كبيرة، ولن تشهد أيّ زلازلَ سياسية. وجهتا النظر وجيهتان، ولهما أسبابهما، فالمتحمّسون يرون أن التأثير الإيراني البالغ في الساحة السياسية العراقية صار أضعف اليوم، وهناك تيّار يتنامى داخل الطبقة السياسية العراقية، أو من المعارضين الذين سيدخلون الانتخابات الجديدة، يحاول الاستفادة من هذا الضعف، للتمدّد أكثر، والتقدّم خطوةً باتجاه ما يمكن تسميته "المحور العربي التركي" في المنطقة. وربّما، مع شيء من التوفيق الإلهي والحظّ، يمكن أن نتوقّع حدوث "انقلاب" سياسي، يُقصي المحور الإيراني داخل الحلبة السياسية العراقية، أو ينهي هيمنته على الأقلّ ويقلّص صلاحياته.
يعتقد الطرف المعاكس لوجهة النظر هذه أن الحديث عن "نفوذ" إيراني تبسيط مخلّ، فهناك نفوذ لكلّ دول المنطقة في العراق، ولكن الدور الإيراني يتجاوز حدود النفوذ، إلى سيطرة قويّة على مفاصل مهمّة في الجسم السياسي والأمني العراقي. وهذه السيطرة لا يمكن تفكيكها بسهولة بمجرّد الفوز الانتخابي. وإذا تحمّس الفائزون لإجراء عملية جراحية، لإخراج اليد الإيرانية من أحشاء الجسم العراقي، فسيخلّف هذا عواقبَ سريعةً، ربّما تُدخل البلاد في فوضى.
أيضاً، لا تبدو أميركا (والدول الكبرى) مهتمّةً بإحداث انقلاب سياسي في العراق في هذه المرحلة، وهي مرتاحة للاستقرار الظاهري للبِركة العراقية، ودور العراق الحالي في مكافحة الإرهاب ومنع عودته، أو انطلاقه من العراق لتهديد دول الجوار، ولا تريد أيضاً أيّ إرباكاتٍ تؤثّر في تدفّق النفط العراقي، وما يشكّله من إرباكٍ لأسعاره في السوق العالمية. وذلك كلّه استناداً إلى قراءة ترى أن الجسم الاجتماعي والسياسي والأمني المعارض للنفوذ الايراني في العراق ليس قويّاً بما فيه الكفاية، في المرحلة الحالية، لإحداث انقلاب سياسي ضدّ إيران.
بين وجهتَي النظر هاتَين، وعلى الأرض، هناك (كما يبدو للمراقب) تياران، ليسا واضحَين بحدود صارمة، الأول يتحرّك ضمن الدائرة الإيرانية، والآخر مضادّ لها، أو معارض بشكل من الأشكال، وسيشارك التيّاران بقوّة في الانتخابات المقبلة. فيهما إسلاميون وعلمانيون، كرد وعرب، وحتى مسيحيون، والمعطيات المتوفّرة لا تتيح التنبّؤ بفوز أحدهما بفارق كبير على الآخر، ومن سيفضّل الجلوس على مقاعد المعارضة، ومن يدخل في تشكيل الحكومة المقبلة بعد الانتخابات.
وعلى الرغم من أن الحملات الدعائية للانتخابات لم تبدأ بعد، إلا أن كثيراً من تحرّكات السياسيين، خلال الأسابيع الماضية، فُسّرت على أنها في إطار الدعاية المبكّرة، كذلك إثارة قضايا طائفية، أو حتى تفجير مشكلة المرتّبات لموظّفي إقليم كردستان، قرأها بعض المحلّلين تحشيداً مبكّراً للصفوف الانتخابية.
المعطيات التي تعكسها مواقع التواصل تبيّن بقاء العزوف عن الانتخابات على حاله، كما في انتخابات 2021 الماضية، غير أن هناك من المؤشّرات ما يؤكّد أن مواقع التواصل لا تعكس سوى آراء الناشطين، وأنه على الأرض اهتمام أكبر بالمشاركة بين الجمهور العام. ولكن، هل هذا الاهتمام بالمشاركة يعني اهتمام الجمهور الانتخابي السابق، أم دخول فئاتٍ وشرائحَ كانت مقاطعة أو غير مكترثة؟... يحتاج هذا للفصل بشأنه إلى استبيانات دقيقة واستطلاعات رأي، غير متوفّرة للأسف!
متغيّر واحد يمكن أن يُحدث فرقاً هائلاً، عودة الصدريين إلى المشاركة في الانتخابات، فعلى الرغم من عدم وجود تأكيدات من مفوضيّة الانتخابات، فإن الرأي السائد أنهم يستطيعون النزول بتحالفهم المسجّل في انتخابات 2021 في أيّ لحظة. وإن لم يفعلوا، فهناك خيارٌ آخر؛ إشارة واحدة من زعيمهم مقتدى الصدر يمكن أن توجّه الكتلة التصويتية للصدريين باتجاه مرشّحين موجودين حالياً، ما يؤدّي إلى صعود أسهمهم بفارق مهمّ عن منافسيهم.