بعد حرب شرسة طوال أكثر من 15 شهراً في غزة، كانت المشاهد الأهم التي نقلتها وسائل الإعلام في العالم، بعد بدء تنفيذ وقف إطلاق النار، عبور آلاف الفلسطينيين النازحين على الطرقات التي باتت تراباً ومن حولها ركام الأحياء والمباني التي تشهد على الحجم الهائل للمجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي من دون رادع.
على الطرقات المنكوبة ظهرت السلاسل الطويلة للعابرين وسط معالم بلا أي حياة، بل حتى بإيحاءات كاملة بالموت. مبانٍ سوّيت بالأرض بشكل كامل وبنى تحتية لا أثر لها كي تشكل نقطة انطلاق للمرحلة الأولى لعودة الحياة. هذه السلاسل الطويلة هي انعكاس لفكرة التمسك بالعودة الحتمية إلى الديار والتشبث بالأرض التي يبدو جلياً أن إسرائيل حاولت أن تمحو آثارها بالكامل باستخدام آلات التدمير الحربية، لكنها تبقى أبداً في عقول وقلوب أصحابها مهما كان حجم الخراب.
بالطبع تحضر مشاعر الحزن الكبير والصدمات لدى عابري الطرقات التي شقتها كوارث الحرب من دون أي رحمة، وبين الخطوات المتثاقلة هناك غصات كبيرة للغزيين من الواقع الصعب ورؤية ضبابية أو حتى سوداء للمستقبل، لكن سلاسل العبور الطويلة والمكتظة بالناس ترسم أيضاً روح التماسك، والتعلّق بأمل لا يمكن إلا أن يكون كبيراً وسعيداً أيضاً لأن قضية فلسطين حيّة دائماً حتى في رماد الركام، وقد فشلت دائماً كل المحاولات الشرسة لتغيير هذا الواقع.