استمع إلى الملخص
- يستعرض الوثائقي رحلة غرين من نجم MTV إلى البحث عن السلام في كندا، مع التركيز على بداياته في "The Tom Green Show" وتقديمه لفن مبتكر رغم الانتقادات.
- يفتقر الفيلم إلى الأصوات النقدية الخارجية، مما يجعله يبدو كتقدير ذاتي، ويثير تساؤلات حول مستقبل غرين في عالم الكوميديا.
يزدحم عالم الكوميديا بالمقلدين والمبتكرين على حد سواء، يبرز بينهم اسم الكندي الأميركي توم غرين الذي تميز بشخصية ثوريّة في مجاله، إذ استطاع بفكاهته الفجة ومواقفه الصادمة المتجاوزة للحدود إعادة تعريف مفهوم الكوميديا التلفزيونية في تسعينيات القرن الماضي. عبر الفيلم الذي أخرجه أخيراً، سيرةً ذاتية عن نفسه ومسيرته، This Is the Tom Green Documentary، يحاول أن يعيد قراءة مسيرته، ويستخلص منها بياناً يؤكد فيه أنه سبق جيلاً كاملاً إلى حافة الهاوية.
حاول غرين في عمله أن يعكس تحولات ثقافة البوب وتأثير التمرد الفني في الأجيال اللاحقة، ذلك من خلال آلاف اللقطات الأرشيفية المُربكة، والمقابلات الشخصية مع أفراد عائلته وأصدقائه. تبدأ رحلة غرين من نجم صاعد في قناة MTV إلى شخصية تبحث عن السلام في مزرعته الكنديّة، مروراً بتحديات صحية وانتقادات فنية حادة. لم يقدِّم العمل رؤية نقدية متوازنة لكل المواضيع التي طرحها، وتحول في بعض المشاهد إلى خطاب ترويجي عن حياته الشخصية والمهنية.
البدايات في كندا، حيث بدأ مراهقاً مهووساً بموسيقى الهيب هوب وبرامج ديفيد ليترمان، وابتدع لاحقاً عرض The Tom Green Show الذي جمع بين المقالب السوريالية والمواجهات المباشرة مع الجمهور. هذه البداية تظهر غرين يرقص على أنقاض الذوق العام للمجتمع؛ فنراه يرضع من ضرع بقرة، أو يتقيأ مباشرةً على الكاميرا. يقدّم الوثائقي هذه المشاهد بوصفها فناً جريئاً وصادماً. يعتقد غرين في كثير من مراحل حياته أنه نسخة مطورة عن باستر كيتون، وينسى أن المواقف الصادمة في الكوميديا من دون سياقٍ فلسفيّ تتحول إلى هستيريا، وليس إلى تراجيديا كما نرى في أفلام كيتون. بعد تقديم طويل في الوثائقي للمشاهد الكوميدية الصادمة، يتحدث غرين عن فيلمه Freddy Got Fingered الذي صدر عام 2001، ويقدمه للمشاهدين تحفةً فنيّةً أُسيء فهمها، وليس بوصفه انتحاراً مهنياً أو هجوماً على الذوق العام أو محاولة لخلق الضحك بأي ثمن، كما وصفه الناقد ريتشارد روبر حينها. برّر غرين العمل بأنه محاولة لقلب المفاهيم والقيود في استديوهات هوليوود.
بعد تشخيص إصابته بسرطان الخصية في أوائل الألفية، يقرر غرين بث عملية الاستئصال مباشرة على MTV في جزء من برنامجه الفني. والحجة هنا أنه حاول مواجهة المأساة بالكوميديا. ولأنه مخرج العمل، تتحول كل الأصوات فيه لتقول إن هذه قصة كفاح ملحميّة، ولا أحد يتحدث عن الدراما الرخيصة. وكما عملية الاستئصال، نشاهد مونتاجه ووجهة نظره بزواجه الفاشل مع الممثلة درو باريمور الذي يختزله بنكات مبتذلة، والأرشيف برمته يتحول إلى أداة لتنقية الذاكرة وإعادة اختراع للذات.
العمل بكليته لقطات وثائقية وأرشيفية منتجها غرين لإثبات عبقريته وابتكاراته الفريدة. هو يعتقد أن تجربة مشاهد بثه المباشر من غرفته عبر مشروع Webovision عام 2007 هو ما مهد الطريق لظواهر كثيرة، كالبودكاست واليوتيوبرز. ويستخدم حديث جو روغان صاحب أشهر بودكاست في العالم، حين قال إنه تأثر بهذا المشروع وبدأ مسيرته المهنية بسببه، دليلاً على عبقريته.
الملاحظة الأبرز من كل المشاهد التي نتابعها في العمل، غياب الأصوات النقدية الخارجية. كل المشاركين في الفيلم هم من دائرة غرين المقربة، ما يجعله أشبه بتكريم ذاتي. هل يمكن لفيلم وثائقي عن حياة فنان أن يكون موضوعياً إذا كان الفنان نفسه مخرجه؟ الفيلم يتأرجح بين جنازة ذاتية وتلخيص لتناقضات فنان، ويترك للمشاهد الحكم حول شرعية الكوميديا الصادمة، ويؤكد أن غرين ما زال منارة للمتمردين في هوامش المجتمع. الرجل الذي حوَّل حياته إلى سيرك مفتوح لم يستطع مجاراة ما يحدث في العالم، ولم يعد هو الحصريّ ومبدع الفن الخالد، وانتهى بعد أن أمضى حياته بين نيويورك وهوليوود ولوس أنجليس، في كندا، من حيث بدأ، في مزرعة مع الخيول والدجاج والطبيعة، يائساً يحاول إطلاق برنامج بودكاست من هناك، ولا أحد يعلم من سيضحك أخيراً.