الاحتقان في مايكروسوفت يبلغ ذروته: موظفون يرفضون التورط في الإبادة

20 ابريل 2025
متظاهرون يحملون صورة أبو السعد في الرباط، 6 إبريل 2025 (عبد المجيد بزويات/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت مايكروسوفت احتجاجات متزايدة من موظفيها بسبب تعاونها مع الاحتلال الإسرائيلي واستخدام تقنياتها في غزة، مما يعكس تصاعد السخط الداخلي.
- بدأت الاحتجاجات عبر منتدى Viva Engage وانتقلت إلى أرض الواقع، حيث نظم الموظفون حملات لوقف التعاون مع الجيش الإسرائيلي وإلغاء عقود الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.
- كشفت تحقيقات صحافية عن زيادة اعتماد الجيش الإسرائيلي على تقنيات مايكروسوفت، مما أثار غضب الموظفين ودفعهم للمطالبة بالشفافية ووقف التعاون مع الاحتلال.

تؤشر الاحتجاجات الأخيرة في شركة مايكروسوفت وما تبعها إلى أنها لم تفلح إلى الآن في تهدئة مخاوف موظفيها وغضبهم الذي يتصاعد كل يوم إزاء تعاونها مع الاحتلال الإسرائيلي، بل مساهمتها في الإبادة الجماعية التي يرتكبها بحق الفلسطينيين في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. تؤشر أيضاً إلى أن تحركات الموظفين لن تتوقف.

خلال احتفال بالذكرى الخمسين على تأسيس "مايكروسوفت"، في الأسبوع الأول من إبريل/نيسان الحالي، قاطعت الموظفتان ابتهال أبو السعد وفانيا أغراوال كلمة المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في الشركة مصطفى سليمان، احتجاجاً على التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي. وطُردتا خلال أيام. وفي 20 مارس/آذار الماضي، واجه رئيس "مايكروسوفت" براد سميث، والرئيس التنفيذي السابق ستيف بالمر، هتافات منددة بالتعاون مع إسرائيل. سبق الهتافات في مارس تجمعٌ حاشدٌ أمام القاعة الكبرى في سياتل، موقع إقامة الفعالية، ضمّ موظفين حاليين وسابقين في "مايكروسوفت". وعلّق المتظاهرون لافتةً على جدار القاعة كُتب عليها: "مايكروسوفت تُموّل الإبادة الجماعية"، في إشارةٍ إلى تكثيف إسرائيل اعتمادها على تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية التي تُقدّمها الشركة منذ 7 أكتوبر 2023.

هذه التحركات تحاكي ما شهدته شركات تكنولوجيا أخرى، بما فيها "غوغل"، حيث احتج موظفون أيضاً على علاقات الشركة مع إسرائيل وطُردوا من العمل. في فبراير/شباط الماضي، عدلت "غوغل" إرشاداتها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، لتلغي التزامها بعدم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها لأغراض عسكرية.

تصاعد السخط داخل "مايكروسوفت"

في تقرير نشرته صحيفة ذا غارديان البريطانية الجمعة، وصف مهندس البرمجيات السابق في "مايكروسوفت"، حسام نصر، الوضع في الشركة بأنه "على وشك الانهيار". وذكر الأحداث الأخيرة، والتظاهرة التي نظمت في 24 فبراير، والوقفة الاحتجاجية في 24 أكتوبر حداداً على عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، أمثلةً على تصاعد السخط داخل "مايكروسوفت".

تظاهرة فبراير أنهيت سريعاً، فحين بدأ الرئيس التنفيذي لـ"مايكروسوفت"، ساتيا ناديلا، بالترويج للمنتجات الجديدة، وقف خمسة موظفين على منصة فوقه، كاشفين عن حروف على قمصانهم كُتب بها: "هل برمجيتنا تقتل الأطفال يا ساتيا؟". في غضون دقائق، أخرجهم رجال بهدوء من الغرفة. أما ما يخص تظاهرة أكتوبر، فقد ساعد نصر والباحث وعالم البيانات عبدو محمد في تنظيمها، وطُردا بعدها بوقت قصير.

ساهمت عمليات الفصل من "مايكروسوفت"، إلى جانب سلسلة من التحقيقات المعمقة حول دورها في الإبادة الإسرائيلية في غزة، في حشد الموظفين المتخوفين والمناصرين للفلسطينيين، وفقاً لنصر وابتهال أبو السعد، وموظفين حاليين طلبا عدم الكشف عن هويتيهما خوفاً من اتخاذ إجراءات انتقامية بحقهما، وتحدثوا كلهم لـ"ذا غارديان". قالت أبو السعد إنها أصبحت أكثر تخبطاً خلال الشهور الأخيرة كونها مهندسة برمجيات تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي، بعدما "كشفت التقارير الأخيرة المزيد من الروابط المتأصلة بين مايكروسوفت والحكومة الإسرائيلية". وأضافت أن تقرير وكالة أسوشييتد برس، حول استخدام الذكاء الاصطناعي الأميركي الصنع في إبادة فلسطينيي غزة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي الخاص بـ"مايكروسوفت"، كان "القشة الذي قصمت ظهر البعير، لأنه بيّن أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم لاستهداف وقتل الفلسطينيين... بدأت بالاقتناع بأن لا طريقة تمكنني من البقاء في مايكروسوفت من دون أن تتلطخ يداي". وأكّدت استحالة معرفة ما إذا كان عملها قد استخدم في غزة، لأن الشركة "تخفي" جميع العقود مع الحكومة الإسرائيلية. في الوقت نفسه، صرحت: "لستُ واثقةً من أن راتبي لا يأتي من أموال الحكومة الإسرائيلية". أبو السعد التي طردت من "مايكروسوفت" قالت للصحيفة البريطانية إن نحو 6 من زملائها أبلغوها بأنهم يفكرون في الاستقالة من الشركة.

البداية من Viva Engage

قبل البدء بتنظيم الاحتجاجات على الأرض، كان موظفو "مايكروسوفت" يناقشون العدوان الإسرائيلي على غزة عبر الإنترنت، وتحديداً من خلال منتدى Viva Engage التابع للشركة. هذه النقاشات كانت تستعر وتثير الجدل، ومثالها حين كتب أحد الموظفين أن "لا مجال للمقارنة بين من يُعلّمون أطفالهم في المدارس قتل اليهود ومن يدافعون عن أنفسهم فحسب". كثير من دعوات التعاطف مع الفلسطينيين قوبلت بوصف مطلقيها صراحة ومباشرة بأنهم من "مؤيدي الإرهاب". كما اشتكى الموظفون من الازدواجية في المعايير منذ بدايات العدوان على غزة، وقالوا إن "مايكروسوفت" تُراقب آراءهم المنشورة في المنتديات الداخلية، لكنها لا تُعامل مؤيدي إسرائيل بالمثل. في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، منعت "مايكروسوفت" موظفيها من النشر على منصتها All Company التي تصل منشوراتها إلى الموظفين كلهم البالغ عددهم 400 ألف موظف، وكذلك إلى مورديها.

تغير أسلوب الاحتجاج على الإنترنت مع بداية عام 2024، وفقاً لنصر. ففي الشهور التي تلت 7 أكتوبر، ركز الموظفون المتضامنون مع الفلسطينيين على التصريحات العلنية لشركة مايكروسوفت، ووزعوا عريضة تحثها على الدعوة علناً إلى وقف إطلاق النار. وأضاف أن اهتمامهم تحول تدريجياً إلى ممارسات الشركة التجارية. وبحلول منتصف 2024، كان نصر وآخرون ينظمون حملة "لا لاستخدام أزور في الفصل العنصري"، في إشارة إلى حزمة مايكروسوفت للحوسبة السحابية وخدمات الذكاء الاصطناعي التي ثبت استخدامها من قبل وحدات في القوات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية، فضلاً عن مديرية الاستخبارات. وجمعت المجموعة توقيعات من الموظفين على عريضة تحث الشركة على إلغاء عقود الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي مع الجيش الإسرائيلي، والكشف عن علاقاتها بحكومة الاحتلال.

تحقيقات صحافية تؤجج الغضب

كشفت وثائق داخلية مسربة أن اعتماد جيش الاحتلال على تقنية الحوسبة السحابية وأنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة ارتفع كثيراً خلال المرحلة الأشد وحشية من حرب الإبادة على القطاع. الوثائق المسربة التي كشفت عنها "ذا غارديان" بالتعاون مع مجلة 972+ الإسرائيلية وموقع لوكال كول الإخباري العبري، في يناير الماضي، سلطت الضوء على كيفية إدماج إسرائيل تقنيات "مايكروسوفت" في حرب الإبادة التي شنتها على الفلسطينيين في غزة، وكشفت كيفية تعميق الشركة الأميركية علاقتها بجيش الاحتلال بعد السابع من أكتوبر 2023، عبر تزويده بخدمات حوسبة وتخزين أكبر وإبرام صفقات لا تقل قيمتها عن عشرة ملايين دولار لتوفير آلاف الساعات من الدعم الفني. وأشارت إلى أن منتجات وخدمات الشركة الأميركية، خاصة منصة الحوسبة السحابية "أزور"، استخدمتها وحدات في القوات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية، فضلاً عن مديرية الاستخبارات. بصفتها شريكاً موثوقاً به لوزارة الأمن الإسرائيلية، كلفت "مايكروسوفت" بشكل متكرر بالعمل في مشاريع حساسة وسرية للغاية. كما عمل موظفوها بشكل وثيق مع مديرية الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك قسم التجسس النخبوي الذي يحمل اسم الوحدة 8200. وكشف تحقيق لـ"أسوشييتد برس"، في فبراير الماضي، أن نماذج ذكاء اصطناعي من "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" استُخدِمَت باعتبارها جزءاً من برنامج عسكري إسرائيلي لاختيار أهداف القصف خلال الحربين الأخيرتين في غزة ولبنان. كذلك تضمن التحقيق تفاصيل عن غارة جوية إسرائيلية "خاطئة" عام 2023 أصابت سيارة كانت تقل أفراداً من عائلة لبنانية، ما أدى إلى استشهاد ثلاث طفلات وجدتهن.

المساهمون