استمع إلى الملخص
- السينما اللبنانية تواجه تحديات في توثيق الحرب، مستندة إلى تجارب سابقة مثل "حرب تموز" 2006، حيث تغلب الحماسة الانفعالية على الإنتاج السينمائي، مع توقعات بأن تكشف الأفلام عن مشاعر وحساسيات مخبأة.
- التساؤلات حول تأثير الحرب على المجتمع والعلاقات الداخلية تتطلب نقاشاً جدياً، والسينما يمكن أن تلعب دوراً في هذا النقاش، رغم التحديات الزمنية والاختلافات الداخلية في لبنان.
كأيّ وضعٍ يعيشه أناسٌ وبلدٌ، ستُنتج الحرب الإسرائيلية على لبنان، في أسابيعها الأخيرة تحديداً (27 سبتمبر/أيلول 2024، اغتيال حسن نصرالله، الأمين العام السابق لحزب الله)، قبل إعلان وقف إطلاق النار (27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، أفلاماً سينمائية مختلفة الأنواع، ومتفاوتة الجودة، كالعادة. أشياء كثيرة حاصلةٌ في تلك الحرب، التي تبدأ "حربَ إسنادٍ" في اليوم التالي لـ"طوفان الأقصى" (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، تمتلك ثقلاً درامياً، ربما يؤدّي إلى أفلامٍ تلتزم شرطها السينمائي. التوقّع منذ الآن بتفاوت الجودة منبثقٌ من أنّ حماسة سينمائيين وسينمائيات لتوثيق الحاصل، روائياً أو وثائقياً، تغلب (أحياناً عدّة) التنبّه إلى المطلوب سينمائياً. لكنّ هذا غير محسومٍ كلّياً، فهناك حماسةٌ تصنع إبداعاً أيضاً.
فترات سابقة تشهد تفاوتاً كهذا، و"حرب تموز" (2006) بين إسرائيل وحزب الله دليلٌ على ندرة الأفلام المصنوعة عنها أولاً، وغلبة الحماسة الانفعالية على السينما ثانياً. الحاصل في الأسابيع الأخيرة هذه ثريٌّ بما ينفع في صُنع أفلامٍ، تُبيِّن مخبّأً في ذاتٍ وأنقاضٍ ومشاعر وحساسيات، قد يكشفه سينمائيّ/سينمائيّة، أو بعضه على الأقلّ، لأنّ عينه ثاقبةٌ، أو هكذا يُتوقَّع أنْ تكون، وكاميرته تخترق الظاهر لتبلغ محجوباً، أو هكذا يتمنّى سينيفيليّون وسينيفيليّات.
استباق الأمور غير تنظيري. لعاملين وعاملات في السينما اللبنانية اختبارات تشي بجمالياتٍ تُبهر (أحياناً) عقلاً وقلباً، وتحضُّ على تفكيرٍ وتأمّل. اختبارات تغوص في حربٍ أو في لاحقٍ عليها (إنْ كانت حرباً إسرائيلية، أو حروباً داخلية)، فتُفكّك اجتماعاً، وتمنع نسياناً من تغليف ذاكرة وحكايات بغبار وصمت وقهر وتغييب. الحرب الإسرائيلية الأخيرة على شعبٍ وعمارة وتراث، من دون تناسي طموح العدوّ إلى إلغاء حزبٍ وبيئته/طائفته، مفتوحة على تساؤلات جمّة، سيكون لها حضورٌ في فنّ وثقافة، أو هذا ما يُتَمنّى أنْ يحصل.
التساؤلات تلك لن تبقى أسيرة حربٍ إسرائيلية، فالحاصل فيها داخلياً خطِر أيضاً، ما يستدعي نقاشاً جدّياً، يُفترض بالسينما أنْ تشارك في صنعه عبر قراءاتها الجمالية مكامن خللٍ وارتباكٍ في العلاقات الداخلية. سيُقال إنّ إنتاج أفلامٍ عن حربٍ شبه منتهية يتطلّب وقتاً طويلاً. هذا صحيح. التساؤلات كلّها تحتاج أيضاً إلى وقتٍ طويل ليكون النقاش جذرياً وفاعلاً وصالحاً للبناء عليه. هذا يكاد يكون مستحيلاً في بلدٍ، ناسه غير متفّقين على شيءٍ، رغم مظاهر تضامن ودعم لنازحين ونازحات. كما أنّ الغالبية الساحقة من ناسه غير معنيّة بالسينما أساساً، وعاملون وعاملات في فنّ وثقافة منفضّون عنها أيضاً.
تُرى، أيّ سينما لبنانية ستخرج من ركام حربٍ، تُحطّم نفوساً وعقولاً، وتقتل أجساداً، وتُدمّر عمارة، وتُلغي تراثاً؟ أتُثير حربٌ كهذه حماسة اشتغال؟ بل أيكون لسينمائيين/سينمائيات حماسة اشتغال عن حربٍ تتكرّر، وهوّة تفصل بين من يعيش في جغرافيا واحدة؟