استمع إلى الملخص
- يشدد الخبراء على ضرورة تنفيذ إصلاحات هيكلية وتشريعية لاستعادة الثقة في الاقتصاد، بما في ذلك تحديث القوانين وتحسين البنية التحتية واستقطاب الاستثمارات.
- الدعم الدولي لانتخاب عون يعكس الثقة في قيادته، مع التركيز على إعادة بناء قطاع الطاقة وتفعيل المناطق الحرة، وضمان الاستقرار السياسي لجذب الاستثمارات وإعادة الإعمار.
في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي مر بها لبنان في السنوات الأخيرة، يأمل المواطنون أن يكون انتخاب الرئيس جوزاف عون بداية مرحلة جديدة تُعيد الحياة إلى اقتصادهم المتعثر وماليتهم المأزومة. فقد جاءت تصريحات الرئيس المنتخب في خطاب القسم لتعزز الأمل في إمكانية إحداث تغييرات جوهرية تساهم في استعادة الاستقرار المالي والاقتصادي، خصوصاً في ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية وتزايد الأزمات الداخلية.
وأكدت العديد من الشخصيات الاقتصادية على ضرورة اعتماد إصلاحات شاملة واستراتيجيات واضحة لاستقطاب الاستثمارات المحلية والدولية، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً في ظل الوضع الحالي. تعد الخطوات المقبلة للرئيس المنتخب حاسمة في تحديد مستقبل لبنان الاقتصادي، إذ يتطلع العديد من اللبنانيين والمستثمرين المحليين والدوليين إلى رؤية خطة اقتصادية شاملة تتضمن إجراءات جادة تهدف إلى استعادة الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد. وتحقيقاً لهذا الهدف يجب معالجة الثغرات الهيكلية والتشريعية التي أثرت على سمعة لبنان وجهةً استثمارية موثوقة.
كما أن تعزيز الثقة في القطاعات الأساسية مثل القطاع المصرفي الحساس، وتحديث القوانين التجارية والضريبية، فضلاً عن تحسين البنية التحتية، يعد من الأولويات التي يجب العمل عليها لتشجيع تدفق الاستثمارات وعودة لبنان إلى دائرة الاهتمام الاقتصادي العالمي.
أجواء تفاؤلية في لبنان
في هذا السياق، أفاد الخبير الاقتصادي باسل الخطيب، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن خطاب القسم الذي أدلى به الرئيس المنتخب جوزاف عون، عزز الأجواء التفاؤلية لدى اللبنانيين، والذي أكد من خلاله أنه سيدعم هيكلة الإدارة العامة والاقتصاد الحر، ولن يتهاون في موضوع حماية أموال المودعين، وأشار إلى أنه لن تكون هناك حصانات لمجرم أو فاسد أو مافيات لتهريب المخدرات وتبيض الأموال.
وأوضح أن الرئيس الجديد يواجه تحدياً كبيراً يتمثل بإحياء لبنان بصفته وجهة استثمارية موثوقة على الساحة الدولية والعربية فالأزمات المتتالية التي مرت بها البلاد، ووفق تقارير الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، تسبب بتراجع صافي الاستثمارات الاجنبية المباشرة الوافدة إلى لبنان بقيمة 582 مليون دولار في 2023، مقارنة باستثمارات بقيمة 2.9 مليار دولار في عام 2018، أي قبل دخول لبنان في أزماته المتتالية منذ عام 2019.
وأكد الخطيب أن نهاية مرحلة الفراغ السياسي التي استمرت 26 شهراً، تبرز تساؤلات عديدة حول ما إذا كان الرئيس اللبناني المنتخب قادراً على إعادة الحياة إلى الاقتصاد، وجذب الاستثمارات التي يحتاجها لبنان لاستعادة استقراره المالي، فالمستثمرون المحليون والدوليون ينتظرون رؤية خطة اقتصادية واضحة، وإجراءات جريئة تُعيد لبنان إلى دائرة اهتمام الاقتصاد العالمي، وتترقب الأوساط الاقتصادية بفارغ الصبر الخطوات التي سيتخذها جوزاف عون لإعادة بناء الثقة المفقودة، وإحياء اقتصاد لبنان الذي أنهكته الأزمات منذ نهاية عام 2019.
وتابع أنه بحسب تقرير أعدته "بلومبيرغ"، فإن الساسة في لبنان يحتاجون إلى اجتياز عدة مراحل مهمة هذا الشهر، قبل أن يتمكنوا من معالجة الاقتصاد، والبدء في التعافي من التخلف عن سداد الديون، وتأمين نهاية للصراعات العسكرية، حيث عرقل المشرعون اللبنانيون في الماضي مراراً وتكراراً، الإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد الدولي لإطلاق العنان لمليارات الدولارات من المساعدات، ويشمل ذلك إلغاء قانون السرية المصرفية، وتنفيذ تدقيق شامل للنظام المالي.
وأضاف أنه صعدت معظم السندات الدولية للبنان، بعد الإعلان عن فوز عون لترتفع بنحو 0.8 إلى 0.9 سنت خلال تداولات يوم الخميس الماضي، وتصل إلى نحو 16 سنتاً للدولار، ولكن مديري الأموال يشعرون بالحذر الشديد في ضوء الإخفاقات المتكررة للطبقة السياسية اللبنانية، حيث تظهر تحركات سوق السندات أن الرهانات قائمة على تشكيل حكومة فعّالة، لتتولى السلطة قريباً وتعمل على الإصلاحات المحتملة.
واعتبر أنه وسط هذه الأجواء تبرز تساؤلات حول ما إذا كان الرئيس الجديد يمتلك الأدوات والإرادة لكي يعيد البلاد إلى دائرة الاهتمام الاقتصادي العالمي، وتحفيز تدفق رؤوس الأموال التي تترقب إشارات واضحة، للعودة إلى لبنان.
إعادة الثقة في اقتصاد لبنان
من جهته، قال الخبير المالي والاقتصادي ورئيس جمعية الضرائب اللبنانية، هشام المكمّل، لـ"العربي الجديد"، إن الدعم الدولي الذي ظهر في عملية انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، يؤكد على الثقة الدولية بشخصه، وهذا سينعكس إيجابياً في الإجراءات التي سيتخذها رئيس الجمهورية لإعادة الثقة في الاقتصاد اللبناني من خلال تحديث القوانين التجارية والضريبية وقوانين تشجيع الاستثمارات.
وشدد المكمّل على أن كل ذلك يجب أن يترافق مع رؤية اقتصادية وإنمائية، تؤكد على أن هناك نية صادقة لإعادة بناء الدولة وإداراتها واقتصادها، لتحقيق نمو وازدهار لبنان ليكون من الدول التنافسية الأولى في استقطاب الاستثمارات، وخلق فرص عمل جديدة، للحد من البطالة وهجرة أبناء الوطن، حيث أصبح من الضروري تشجيع اللبنانيين المقيمين والمغتربين والمستثمرين الأجانب، لإعادة الاستثمار في لبنان، ليس من أجل انتماءاتهم بل على اعتبار أنه ملاذ آمن لأي استثمارات جديدة.
وأضاف المكمّل أن المطلوب إعادة بناء قطاع الطاقة لتأمين الكهرباء لكافة الصناعات بتعرفة مخفضة وتنافسية، وتفعيل المناطق الحرة بهدف تشجيع الاستثمارات. واعتبر أن إعادة الثقة بالقطاع المصرفي وتثبيت سعر الصرف يجذبان المستثمرين، مطالباً بإعادة الثقة بالقضاء اللبناني لضمان استثماراتهم وحقوقهم.
بدوره، صرح الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن "الدعم الدولي الهائل لاستقامة المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها انتخاب رئيس الجمهورية، مهم جداً لإعادة الثقة في لبنان بلداً استثمارياً، مشيراً إلى أن جذب الاستثمارات والنمو الاقتصادي يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالاستقرار السياسي والأمني، وهناك قرار دولي كبير في هذا الشأن. وبالطبع، هناك ورشة عمل كبيرة، لأن لبنان لا يملك البنية التحتية في القطاعات كافة، ويجب إعادة تأهيلها من كهرباء وطرقات واتصالات وغيرها".
وأضاف أن أي استقرار يجذب المغتربين اللبنانيين سواء للاستثمار أو للسياحة، واليوم، أصبح جذب الاستثمارات الأجنبية أمراً مهماً جداً، لكنه يحتاج إلى وقت من أجل البدء في ورشة العمل، سواء كانت إصلاحات أو إعماراً. وفي الحديث عن القروض المصرفية الاستهلاكية، أفاد أبو سليمان بأنها تحرك العجلة الاقتصادية لكنها لا تجذب الاستثمارات. وأشار إلى أنه من المبكر الحديث عن الأرقام، لأننا ما زلنا بصدمة خسائر الحرب التي تفوق 8 مليارات دولار، وأكد أن الهدف الأساسي في هذه المرحلة هو إعادة الإعمار.
واعتبر أن التكتلات السياسية مجبرة على الدعم، لأننا أمام وصاية، وقد تكبدنا خسائر كبيرة بسبب الحرب، لذلك لا يمكن العناد من قبل التكتلات السياسية والأحزاب، إضافة إلى أن موضوع العقوبات يلوح في الأفق، ما دفع التكتلات إلى تقديم القبول بتوصيات المجتمع الدولي وهو ما تجلى في انتخاب عون.