عين السعودية على قطاع التعدين

07 مارس 2025
العاصمة السعودية الرياض، 14 ديسمبر 2023 (جاب أرينز/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وقّعت السعودية مذكِّرات تفاهم مع ست دول لتعزيز قطاع التعدين، بهدف تحقيق رؤية 2030 وتقليل الاعتماد على النفط، حيث تلعب المعادن دوراً حيوياً في تصنيع تقنيات الطاقة المتجددة.

- رفعت السعودية تقديراتها لمواردها المعدنية غير المستغلّة إلى 2.5 تريليون دولار، وتسعى لتصبح مركزاً عالمياً لتجارة المعادن من خلال استغلال احتياطاتها الهائلة وتوسيع استكشاف الثروات المعدنية.

- تخطط أرامكو لتوسيع استثماراتها في الليثيوم بالشراكة مع "معادن"، وتسعى المملكة لتطوير بورصة للمعادن، مع تحديات في تحقيق التنويع الاقتصادي وتوليد 50% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2030.

على هامش الاجتماع الوزاري الرابع للوزراء المعنيين بقطاع التعدين المُنعقد في إطار النسخة الرابعة من مؤتمر التعدين الدولي الذي احتضنته العاصمة الرياض خلال الفترة من 14 إلى 16 يناير/كانون الثاني الماضي، وقّعت وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية مذكِّرات تفاهم واتِّفاقيات تعاون مع ست دول (جيبوتي والأردن والمملكة المتّحدة وزامبيا والنمسا وفرنسا) بهدف التحضير لمرحلة جديدة يتمّ خلالها تحقيق نهضة قطاع التعدين واستدامته من أجل تحقيق أهمّ مستهدفات رؤية المملكة 2030 المتمثِّلة في تقليل الاعتماد على النفط وزيادة حصّة الطاقة المتجدِّدة في الاستهلاك المحلِّي والتحوُّل نحو الطاقة النظيفة وتوليد 50% من احتياجات البلاد من الكهرباء من مصادر متجدِّدة بحلول عام 2030.

في الواقع، تلعب المعادن دوراً محورياً في تطوير تقنيات الطاقة المتجدِّدة، إذ تعمل بوصفها مكوِّنات أساسية في تصنيع الألواح الشمسية وطواحين الهواء والبطاريات. على سبيل المثال، تعتمد الألواح الشمسية على السيليكون المشتقّ من السيليكا الموجودة بكثرة في الرمال، إلى جانب معادن مثل الفضة والألمنيوم. كما تتطلَّب طواحين الهواء الفولاذ والعناصر الأرضية النادرة لمغناطيساتها، بينما تعتمد بطاريات الليثيوم أيون على الليثيوم والكوبالت والنيكل.

إلى جانب ذلك تتطلَّب البنية الأساسية للطاقة المتجدِّدة مثل خطوط النقل، النحاس ومعادن أخرى. ونظراً لتزايد الطلب على هذه المعادن التي لا تقلّ أهمية أيضاً في بناء مراكز البيانات التي تساعد على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، أصبحت مسألة ضمان توافر هذه المعادن واستخراجها بشكل مستدام أمراً ضرورياً لتحقيق نقلة نوعية في مسار التحوُّل إلى الطاقات المتجدِّدة.

بحسب تصريحات وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريّف، رفعت المملكة تقديراتها لمواردها المعدنية غير المستغلّة بما في ذلك الفوسفات والذهب والمعادن النادرة إلى 2.5 تريليون دولار، صعوداً من توقُّعات عام 2016 البالغة 1.3 تريليون دولار فحسب. ويُعزى هذا الارتفاع البالغ 1.2 تريليون دولار إلى عمليات المسح الأخيرة التي كشفت عن وجود كميات إضافية من الفوسفات والذهب والزنك والنحاس، وإضافة معادن جديدة مثل المعادن النادرة التي تلعب دوراً مهمّاً في الكثير من الصناعات إلى القائمة، وإعادة تقييم الأسعار والثروات المعدنية الموجودة.

بناءً على ذلك، وضعت المملكة نصب عينيها التحوُّل إلى مركزٍ عالمي رئيسي لتجارة المعادن الحيويّة ولاعب رئيسي أيضاً في قطاع الطاقات المتجدِّدة من خلال استغلال احتياطاتها الهائلة من الفوسفات والذهب والنحاس والبوكسيت. من أجل تجسيد رؤية 2030 الطموحة والتنصُّل من التبعية للنفط، وجَّهت السعودية بوصلتها هذه المرّة نحو قطاع التعدين الذي يُعدّ من أهمّ القطاعات الواعدة فيها ووضعت خططاً للتوسُّع في استكشاف الثروات المعدنية التي تنتشر في أكثر من 5300 موقع.

بحسب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية في 15 يناير/كانون الثاني الجاري تحت عنوان "أرامكو السعودية تعتزم توسيع استثماراتها في الليثيوم لتنويع مصادرها بعيداً عن النفط" Saudi Aramco to expand investments in lithium as it diversifies from oil، تخطِّط شركة أرامكو السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، لتوسيع استثماراتها في إنتاج الليثيوم بالشراكة مع شركة التعدين "معادن" السعودية المملوكة للدولة بحلول عام 2027، كجزء من التحرُّكات الأوسع نطاقاً لتقليص التبعية للنفط والتحوُّل لمركز للتعدين وبناء سلسلة توريد لهذا المعدن الحيويّ (المستخدم في تصنيع بطاريات تشغيل السيارات الكهربائية) بهدف تلبية الطلب المتوقّع للمملكة والعالم على الليثيوم، وهذا فضلاً عن مزاحمة الصين التي تسيطر على نحو ثلثي السوق في معالجة الليثيوم.

كما أفاد هذا التقرير بأنّ أرامكو السعودية تتوقَّع أن ينمو الطلب على الليثيوم في المملكة بمقدار 20 ضعفاً بين عامي 2024 و2030. ففي ديسمبر/كانون الأوّل 2024، أعلنت شركة أرامكو بالتعاون مع الشركة السعودية الناشئة المتخصِّصة في الليثيوم "ليهايتك" وشركة التعدين الحكومية "معادن" عن نجاح أولى عمليات استخراج الليثيوم من المياه المالحة المصاحبة لاستخراج وإنتاج النفط في الحقول النفطية بالمملكة. وبحسب تصريحات الوزير "بندر الخريّف" الواردة في هذا التقرير، تخطِّط السعودية لتكرير الليثيوم وتصديره مستغلَّة في ذلك قدرتها التنافسية في مجال الطاقة والبنية التحتية المُدعَّمة بالمدن الصناعية والموانئ.

استخراج الليثيوم والسيطرة على إمداداته ليس هدفاً نهائياً في حدّ ذاته بالنسبة للمملكة التي تعتزم اقتحام سوق السيارات الكهربائية وتبني لأجل ذلك مركزاً لتصنيع هذه السيارات في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية على ساحل البحر الأحمر، حيث تسعى السعودية إلى توسيع وتطوير قطاع المعادن بوصفه جزءاً من خطّة أكبر لتخليص الاقتصاد السعودي من قبضة التبعية لعائدات النفط.

ولتكون هذه الخطّة متكاملة الأركان، سبق لنائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين في السعودية "خالد بن صالح المديفر" أن أزاح السِّتار في أواخر عام 2023 عن خطط المملكة الرامية إلى تطوير بورصة للمعادن بما يتماشى مع متطلَّبات التحوُّل لمركز للمعادن ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في العالم أجمع، إلى جانب تحقيق تنافسية قويّة في هذا القطاع الواعد.

صحيح أنّ التزام المملكة بتحويل قطاع التعدين إلى ركيزة أساسية في فكّ ارتباط الاقتصاد السعودي بعائدات النفط تحت مظلّة رؤية 2030 يُعدّ أمراً مهمّاً، لكن الأهمّ يكمن في عدم التهاون في ملف التنويع الاقتصادي الحقيقي وتجنُّب الانتقال من ريع النفط إلى ريع المعادن، لأنّ تأخير التنويع الاقتصادي الفعّال إلى جانب العمل الجادّ على الحزمة المتمثِّلة في تخفيف دعم الوقود الأحفوري وزيادة أسعار الطاقة وتحديداً سعر الديزل وتوجيه العائدات الناتجة عن ذلك لتطوير الطاقات المتجدِّدة بهدف دعم خزينة الدولة من خلال تصدير المزيد من النفط الذي كان يتمّ حرقه محلِّياً لن يزيد المملكة إلاّ اعتماداً على ريع النفط، إذ سترتبط حصّة أكبر من ناتجها المحلِّي الإجمالي بصادرات النفط وستستمرّ بالتأثُّر بصدمات أسعار النفط.

خلاصة القول إنه بالرغم من أنّ المملكة لم تحدِّد بدقّة ما إذا كانت تهدف أساساً من تطوير الطاقات المتجدِّدة وتوسيع استثماراتها في قطاع المعادن إلى توفير كميات من النفط وتصديرها لدعم موازنتها أم لتلبية الطلب المحليّ المتزايد على الطاقة، إلاّ أنّ هدف توليد 50% من الكهرباء من مصادر متجدِّدة بحلول عام 2030 لا يزال بعيد المنال لأنّها أنتجت 0.66% فقط من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجدِّدة في عام 2023، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

المساهمون
The website encountered an unexpected error. Please try again later.