ثورة هادئة في جنوب شرق آسيا ضد الدولار والتحول نحو عملة موحدة بديلة

20 ابريل 2025
محل صرافة في بورما(بول بورنسين/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد جنوب شرق آسيا تحولًا نحو تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة والتمويل، مدفوعًا بمخاوف من تأثير السياسة النقدية الأمريكية والعقوبات المالية.
- يظل الدولار مهيمنًا على تجارة المنطقة، لكن الأحداث الأخيرة مثل ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية والعقوبات على روسيا دفعت الدول للتفكير في تقليل الاعتماد عليه.
- بدأت الدول في توقيع اتفاقيات لتسوية التجارة بالعملات المحلية مع شركاء مثل الصين واليابان، مما يمثل تنويعًا استراتيجيًا لتقليل الاعتماد على الدولار.

تدور ثورة هادئة ضد الدولار في جنوب شرق آسيا ضمن رحلة البحث عن عملة موحدة بديلة تقي الاقتصادات شرور الحظر والتقلب، خاصة في عهد الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب.

ولم يكن مثل هذا الأمر موضوعاً في حسابات الدول والشركات قبل عقد حينما  كان المسافر من سنغافورة إلى بانكوك أو جاكرتا يعتمد على الدولار الأميركي أو بطاقة ائتمان عالمية لتسديد الفاتورة. أما اليوم، فقد تغيرت الأمور. إذ يمكن للسائح الماليزي في تايلاند دفع ثمن طعام الشارع بمسح رمز الاستجابة السريعة، حيث يُخصم المبلغ فورًا من حسابه بالرينجيت ويُضاف إلى حساب البائع بالبات. تُعدّ هذه التسهيلات البسيطة جزءًا من ثورة هادئة أوسع نطاقًا في جنوب شرق آسيا للتحول من الدولار إلى العملات المحلية ضمن جهد منسق من قِبل الحكومات الإقليمية لتقليل اعتمادها على الدولار في التجارة والتمويل. وذلك وفق تقرير بمجلة "ذا دبلومات" الآسيوية مساء السبت.

وفي الوقت الحالي، لا يزال الدولار هو العملة المهيمنة على تجارة المنطقة. حيث تُصدر فواتير ما بين 80 و90% من صادرات دول جنوب شرق آسيا بالدولار، مما يعكس الدور الراسخ للعملة، كعملة افتراضية لتسعير السلع. كما أن معظم العملات الإقليمية مرتبطة بشكل غير رسمي بحركة الدولار، حيث تُخزّن البنوك المركزية الدولار كاحتياطات للاستقرار. وقد خدم هذا الاعتماد على الدولار تاريخيًا جنوب شرق آسيا بشكل جيد من خلال تسهيل التجارة والاستثمار. لكن الأحداث الأخيرة كشفت عن الجانب السلبي لظاهرة الدولار وحفزت على التغيير.

ووفق التقرير، يمكن للسياسة النقدية الأميركية أن تُحدث صدمةً في اقتصادات رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). فعلى سبيل المثال، أدت الزيادات السريعة في أسعار الفائدة التي أجراها مجلس الاحتياط الفيدرالي في الفترة 2022-2023 إلى تقوية الدولار وإضعاف عملات جنوب شرق آسيا، مما أدى إلى تأجيج التضخم المستورد وزيادة تكلفة الديون المقومة بالدولار. في الوقت نفسه، دقّت العقوبات المالية التي فرضتها الولايات المتحدة، وأبرزها تجميد عضوية روسيا في شبكة سويفت للمدفوعات في عام 2022 ، ناقوس الخطر في جميع أنحاء آسيا. فإذا تصاعد التنافس بين القوى العظمى، فهل ستُجبر واشنطن يومًا ما على قطع الوصول إلى الدولار أو أنظمة الدفع؟ وكان الرئيس الإندونيسي السابق جوكو "جوكوي" ويدودو صريحًا في هذه النقطة، إذ حذّر، مستشهدًا بالعقوبات الروسية، من أن شركات الدفع العالمية العملاقة مثل فيزا وماستركارد قد تُشكّل "مشكلة"، وحثّ الإندونيسيين على استخدام الشبكات المحلية بدلاً من ذلك. وقد أعرب صانعو السياسات في ماليزيا وتايلاند وسنغافورة عن مخاوف مماثلة بشأن الاعتماد المفرط على الدولار. وتسعى دول جنوب شرق آسيا  لحماية اقتصاداتها، عبر مزيد من الاستقلالية في كيفية تجارتها ومعاملاتها.

وأحد محاور هذا التحول الهادئ نحو إزالة الدولرة هو التحول إلى العملات المحلية في التجارة عبر الحدود. وفي مايو/أيار 2023، وافق قادة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) رسميًا خلال اجتماعهم في لابوان باجو بإندونيسيا على زيادة استخدام العملات المحلية في التجارة البينية. حتى أنهم طرحوا فكرة إطار عمل موحد لعملة رابطة دول جنوب شرق آسيا في المستقبل لتسهيل هذا التحول.

ومن الناحية العملية، بدأت العديد من الدول بالفعل في إرساء أسس هذا التحول. منذ عام 2017، حيث وضعت إندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفيليبين ترتيبات ثنائية لتسوية العملات المحلية لتمكين فواتير التجارة بعملاتها المحلية بدلاً من الدولار الأميركي. وتوسعت هذه الترتيبات لتشمل شركاء تجاريين رئيسيين، الصين واليابان وكوريا الجنوبية. والآن، تُجرى المعاملات التجارية الفعلية بالعملة المحلية: فعلى سبيل المثال، أبرمت ماليزيا اتفاقيات مع إندونيسيا وتايلاند والصين لتسوية المزيد من المعاملات التجارية بالرنجيت أو غيره من العملات المحلية.

ويقول التقرير إنه لن تؤدي أي من هذه الخطوات إلى محو الدولار بين عشية وضحاها، ولكنها مجتمعة تُمثل تنويعًا استراتيجيًا. "عندما تكون الدولارات نادرة أو باهظة الثمن، وتصبح تسوية العملة المحلية حلاً يسمح باستمرار المعاملات"، أوضح أحد الاقتصاديين الإندونيسيين، أن الهدف هو تقليل الاعتماد على الدولار، وليس القضاء عليه.
 

المساهمون