استمع إلى الملخص
- التحديات التي يواجهها التجار والمزارعون: يعاني التجار من تراجع المبيعات بسبب الغلاء الناتج عن نقص العرض وأزمة الجفاف وارتفاع كلفة الري، مما يؤثر على الإنتاج والأسعار النهائية.
- التباين بين الأرقام الرسمية وواقع الأسواق: رغم تحسن مؤشرات التضخم، لا يزال الغلاء مستوطناً، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 7.3%، مع تباين بين الأرقام الرسمية والأسعار الفعلية في الأسواق.
تحولت أصناف من الفواكه إلى ترف على موائد التونسيين بعد أن بلغت أسعارها مستويات قياسية، حيث تكتفي أغلب الأسر بالحد الأدنى من الأصناف التي تعرض في الأسواق الشعبية أو عند الباعة المتجولين. ورغم أن النسيج الزراعي التونسي يوفر أصنافاً عديدة من الفواكه، لكن الأسعار تباعد بينها وبين طيف واسع من الشرائح الاجتماعية المتوسطة والضعيفة.
أمام محل لبيع الفاكهة في منطقة خزندار بالعاصمة تونس، يقف المواطن مهدي الزغلامي أمام أصناف المرصفة بشكل جميل، غير أن علامات الدهشة تعلو محياه وهو يحاول التأكد من سعر كلغ التفاح المعروض. سأل المواطن التاجر عن السعر أكثر من مرة ليؤكد له البائع أن الكلغ من التفاح يبلغ 15 ديناراً (5 دولارات). علّق الرجل الخمسيني على السعر بأنه لا يكاد يستوعب أن الأسعار وصلت إلى مستويات قياسية متجاوزة كل قدرات التونسيين على تلبية رغباتهم في الحصول على نوعية جيدة من الفواكه.
وقال: "كأننا نطلب المستحيل هل يمكن لمواطن عادي لا يتجاوز دخله الشهري 1500 دينار (50 دولاراً) أن يشتري 4 حبات من التفاح بـ5 دولارات لقد استوطن الغلاء الفاحش في الأسواق دون رجعة". وتكشف البيانات الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء الحكومي أن الفواكه تتصدر فعلاً قائمة المنتجات الغذائية الأكثر غلاء باحتساب الانزلاق السنوي سجلت أسعار الفواكه والغلال الطازجة زيادة بنسبة 19.2% خلال الفترة المراوحة ما بين إبريل/ نيسان 2024 وإبريل 2025 محتلة المرتبة الثانية في المنتجات الزراعية الأكثر غلاء بعد الخضراوات.
ويؤكد المواطن مهدي الزغلامي أن أغلب التونسيين إما محرومون بشكل كامل من أصناف الفواكه الجيدة وإما أنهم يكتفون بأصناف أقل جودة وهي بدورها تباع بأسعار مرتفعة مقارنة بما كانت عليه في السنوات السابقة. وأضاف: "يفضل التونسيون الفواكه المنتجة محلياً مقارنة بالفواكه المستوردة على غرار الموز لكنها أصبحت عصية عليهم".
ورغم تحسن المؤشرات بشأن تراجع نسبة التضخم، يستوطن الغلاء في أسواق تونس ما يقلّص إمكانيات نفاذ المواطنين إلى نوعيات جيدة من المنتجات الزراعية وتحقيق التوازن الغذائي على موائدهم. وخلال شهر إبريل الماضي، بلغت نسبة التضخم عند الاستهلاك العائلي %5.6 مقابل 5.9 % في شهر مارس/ آذار وفق ما أعلنه معهد الإحصاء.
باحتساب الانزلاق السنوي ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 7.3%. ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار الخضر الطازجة بنسبة 24.3% وأسعار الغلال الطازجة بنسبة 19.2% وأسعار لحم الضأن بنسبة 8.18% وأسعار الأسماك الطازجة بنسبة 6.01% مقابل تراجع أسعار الزيوت. ووفق أغلب التونسيين لا تعكس الأرقام الرسمية بشأن الأسعار ونسب التضخم واقع الأسواق حيث تتباين الأرقام الصادرة عن معهد الإحصاء مع الأسعار المتداولة في غالب محافظات البلاد.
ورغم الإقرار بغلاء الأسعار وعدم وملاءمتها مع القدرة الإنفاقية لأغلب التونسيين، يقول معتز الظاهري وهو صاحب محل بائع فواكه أكد أن التجار بدورهم يشعرون بوطأة الغلاء، مؤكداً أن رقم معاملات محله تراجع بشكل لافت. وقال في تصريح لـ"العربي الجديد" سابقاً: كان بإمكان المواطن الحصول على تشكيلة من الفواكه ذات الجودة العالية بسعر لا يتعدى 20 ديناراً (7 دولارات)، لكن هذا المبلغ لم يعد كافياً لشراء أكثر من صنفين على الأقصى وبجودة أقل.
ويؤكد المتحدث أن التجار بدورهم يعانون غلاء الأسعار على مستوى أسواق الجملة، مفسراً ذلك بنقص العرض نتيجة أزمة الجفاف التي أضرت بشكل كبير بحقول الفواكه والأشجار المثمرة على مدى السنوات الخمس الماضية. وتابع: "لم يعد إنتاج الفواكه سهلاً بالنسبة للمزارعين بسبب ندرة الموارد المائية وغلاء كلفة الري، ما ينعكس لاحقاً على الأسعار النهائية للاستهلاك".
في المقابل، قال البائع إن تجار الفواكه يحاولون تعديل العرض في محلاتهم وتوفير سلع بسعر مقبول ولا سيما في مواسم الإنتاج الكبرى الخاصة بالحمضيات والبطيخ والفراولة، بينما يظل التفاح من أكثر الفواكه غلاء على مدار السنة وقف تأكيده. وتظهر مؤشرات معدل التطور لأسعار أهم المواد الأساسية في سوق الجملة ببئر القصعة (أكبر أسواق الجملة في تونس) التي ينشرها المرصد التونسي للفلاحة أن أسعار الفواكه والغلال على مستوى ارتفعت ما بين شهري إبريل 2024 و2025 بنسبة تراوح ما بين 5 و134%. وتظهر النشرة ذاتها أن زيادة الأسعار على مستوى أسواق الجملة طاولت كل أصناف الغلال وشملت في الأساس الحمضيات بمختلف أصنافها والتمور والفراولة.