استمع إلى الملخص
- تواجه هذه المشروعات تحديات مثل توطين الوظائف وارتفاع الأجور، مما يتطلب استثمارات في تدريب الكوادر الوطنية، بالإضافة إلى التكاليف الأولية المرتفعة والتحديات الجوية.
- بفضل موقعها الجغرافي، تسعى السعودية لتوليد طاقة شمسية هائلة، مع توقعات بقدرة إنتاجية تصل إلى 60 جيجاوات بحلول 2030، مما يعزز الاستدامة ويوفر فرص عمل جديدة.
تُحرز المملكة العربية السعودية تقدماً ملحوظاً في مشروعات الطاقة الشمسية، باعتبارها جزءاً من رؤية 2030، التي تهدف إلى أن تأتي 50% من كهرباء المملكة من مصادر متجددة بحلول نهاية العقد، وتُشير البيانات الرسمية إلى أن المملكة قد حققت أرقاماً قياسية في خفض تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية.
وتعد محطة سدير للطاقة الشمسية الكهروضوئية، التي وصلت سعتها التشغيلية إلى 1,125 ميغاواط مع هدف الوصول إلى 1,500 ميغاواط، واحدة من أكبر المحطات المتعاقد عليها في العالم، وتتميز بتكلفة منخفضة للكهرباء الشمسية تبلغ 1.239 سنت أميركي/كيلوواط ساعة، ما يجعلها من أقل التكاليف عالمياً، ومن المتوقع أن تزود المحطة 185 ألف منزل بالطاقة وتقلل الانبعاثات في المملكة بمقدار 2.9 مليون طن سنوياً، وفقا لما أورده تقرير نشرته منصة solarquarter المتخصصة في شؤون أعمال الطاقة الشمسية عالمياً.
غير أن مستقبل القطاع في المملكة يواجه تحديات، على رأسها القدرة على توطين وظائفه، إذ تشير دراسة صادرة عن مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية إلى أن نسبة قليلة من وظائف الطاقة المتجددة مناسبة للسعوديين، حيث تتطلب بعض الوظائف مهارات لا تتوافق مع مهارات القوى العاملة المحلية.
كما تمثل الأجور المرتفعة تحدياً لصناعة الطاقة المتجددة في المملكة، إذ توضح الدراسة سالفة الذكر أن السعوديين يحصلون على أجور أعلى في جميع مستويات التعليم؛ ما قد يؤدي إلى زيادة التكاليف في بناء صناعة الطاقة المتجددة في السعودية.
سكاكا وسدير
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي علي سعيد العامري، لـ"العربي الجديد"، إلى أن مشروعات الطاقة الشمسية في السعودية تمثل جزءاً أساسياً من رؤية المملكة 2030، حيث تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستدامة، وتؤثر إيجاباً في تكاليف الكهرباء للأسر، وتوظيف السعوديين، وجودة الخدمات الكهربائية. ومن أبرز الفوائد المتوقعة لهذه المشروعات تقليل التكلفة، إذ يشير العامري إلى أن الطاقة الشمسية تعد مصدراً متجدداً للطاقة، ما يعني انخفاض تكاليف التشغيل مقارنة بمحطات الوقود الأحفوري، مضيفاً أن زيادة إنتاج الطاقة الشمسية من شأنه أن يقلل الاعتمادية على الوقود الأحفوري، ما سيؤدي إلى انخفاض تدريجي في تكاليف الكهرباء.
وهنا ينوّه العامري بأن السعودية بدأت بالفعل في تنفيذ عدة مشروعات في هذا المجال، ومنها مشروع سكاكا للطاقة الشمسية (بسعة 300 ميجاوات)، إضافة إلى محطة سدير، ويؤكد أن هذين المشروعين سيقللان تكلفة إنتاج الكهرباء بشكل كبير، لافتاً إلى أن التقديرات الحكومية تشير إلى أن تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية قد تنخفض إلى أقل من 0.01 دولار لكل كيلووات/ساعة، مقارنة بتكلفة أعلى في محطات الوقود الأحفوري.
ويتوقع العامري أن تشهد الأسر السعودية، على المدى المتوسط والطويل، انخفاضاً في فواتير الكهرباء بنسبة تتراوح بين 10% إلى 30%، اعتماداً على حجم الإنتاج الشمسي ومدى الاعتماد عليه، لافتاً إلى أن خلق الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة يمثل إحدى النتائج الأخرى المرجوة من مشاريع الطاقة الشمسية. ووفقاً للتقديرات التي يستشهد بها العامري، قد يوفر مشروع سدير وحده أكثر من 4,500 وظيفة خلال مرحلة الإنشاء، مشيراً إلى أن هذه المشروعات ستساهم في تطوير مهارات السعوديين في قطاع الطاقة المتجددة، من خلال برامج التدريب والتأهيل، ومنها "برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية" لدعم توظيف السعوديين في هذا القطاع.
ويشير العامري إلى أن هذه المشاريع ستكون عامل جذب للشباب السعودي، خاصة مع توفير فرص في مجالات الهندسة والتكنولوجيا، ويتوقع أن تساهم الطاقة الشمسية في تنويع مصادر الطاقة، مما يقلل من الاعتماد على مصدر واحد، ويحسن استقرار الشبكة الكهربائية، ويقلل من الانبعاثات الكربونية، ويحسن جودة البيئة. والأهم، كما يرى العامري، هو أن الطاقة الشمسية في السعودية ستساهم في تقليل الضغط على محطات الوقود الأحفوري، مما يحسن أداءها ويطيل عمرها التشغيلي.
وبما أن مشروعات الطاقة الشمسية تتطلب تحديث الشبكة الكهربائية، لتكون قادرة على استيعاب الطاقة المتجددة، يؤكد العامري أن هذا بدوره سيؤدي إلى تحسين البنية التحتية بشكل عام، ومع ذلك يشير إلى وجود تحديات محتملة، على الرغم من أن المملكة لديها القدرة على التغلب عليها مقارنة بدول أخرى. ومن هذه التحديات التي يذكرها العامري: تكاليف الاستثمار الأولية، فعلى الرغم من انخفاض تكاليف التشغيل، فإن التكاليف الأولية لإنشاء محطات الطاقة الشمسية مرتفعة، كما يشير إلى التحديات المرتبطة بالتغيرات المحتملة في الطقس، حيث إن الطاقة الشمسية تعتمد على الظروف الجوية، وهذا يتطلب تطوير أنظمة تخزين طاقة متقدمة لضمان استمرارية الإمداد.
ويرى العامري أن التحدي الأهم يتمثل في احتياج القطاع إلى تدريب مكثف للكوادر السعودية لضمان توظيفهم في الوظائف الفنية والإدارية المتخصصة، مشدداً على ضرورة ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية، وتدريب الكوادر الوطنية لضمان استدامتها وفعاليتها.
الحزام الشمسي
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، جاسم عجاقة، لـ"العربي الجديد"، إلى أن السعودية تتمتع بموقع جغرافي مميز ضمن الحزام الشمسي العالمي، ما يؤهلها لتوليد طاقة شمسية هائلة، وهو ما يتماشى مع أهداف رؤية 2030 الطموحة لتحقيق الاستدامة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. فالطاقة الشمسية مصدر مجاني ومتجدد للطاقة، ما يجعلها خياراً استراتيجياً لتوليد الكهرباء بدلاً من الوقود الأحفوري، وهذا الأمر يُنظر إليه بإيجابية ليس فقط من قبل الاقتصاديين، بل أيضاً من قبل المجتمع الدولي، حيث تُعد الكهرباء مؤشراً مهماً للحضارة والتقدم، بحسب عجاقة.
وأشار إلى توقعات بأن تصل القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة في السعودية إلى ما بين 40 إلى 60 جيجاوات بحلول عام 2030، حيث ستشكل الطاقة الشمسية الجزء الأكبر منها، تليها طاقة الرياح. وإزاء ذلك، يؤكد عجاقة أن هذه المشروعات ستؤدي إلى خفض تكاليف إنتاج الكهرباء، حيث إن تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية أقل بكثير من تكلفة إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري، فضلاً عن تقليلها الأعباء المالية على الحكومة السعودية، ما يوفر موارد يمكن توجيهها نحو مشاريع تنموية أخرى.
ومن الناحية الاجتماعية، من شأن مشروعات الطاقة الشمسية أن تساهم في خلق فرص عمل جديدة للسعوديين، خاصة مع وجود بنود في العقود تشجع على توظيف العمالة المحلية بدلاً من الأجنبية، ويتوقع عجاقة أن تستمر هذه المشروعات لعقدين على الأقل، ما يعني توفير فرص عمل مستمرة في قطاع الطاقة المتجددة. وعلى صعيد جودة الخدمات، يلفت عجاقة إلى أن الطاقة الشمسية قادرة على توفير كهرباء بجودة عالية، قد تفوق في بعض الأحيان جودة الكهرباء المنتجة بالطرق التقليدية، وبما أن المملكة تقع ضمن الحزام الشمسي العالمي، فإن جودة الخدمات الكهربائية ستكون عالية، خاصة مع تحول إنتاج الطاقة إلى القطاع الخاص، مما يعزز التنافسية ويرفع من مستوى الجودة.
ويخلص عجاقة إلى أن مشروعات الطاقة الشمسية في السعودية تمثل خطوة استراتيجية ذات تداعيات إيجابية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، فهي لا تساهم فقط في خفض تكاليف الكهرباء وتوفير فرص عمل، بل تعزز أيضاً من جودة الخدمات الكهربائية، وتقلل من الانبعاثات الكربونية، ومع استمرار هذه المشروعات ستكون السعودية نموذجاً رائداً في مجال الطاقة المتجددة.