مهرجان الفن والثقافة الكردية.. مستقبل اللغة والهوية في سورية

10 يونيو 2025
الفريق المنظم للمهرجان (تصوير آرام سليماني)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اختتم مهرجان الفن والثقافة الكردية في برلين دورته الرابعة تحت عنوان "نقطة تحوّل في سورية – مستقبل جديد للكرد"، مع التركيز على تعزيز الحوار الثقافي وتكريم شخصيات فنية بارزة.
- تناول المهرجان قضايا اللغة الكردية والهوية الثقافية، مع ندوات حول تأثير الثورة السورية على الأدب واللغة الكردية، ودور المرأة في صناعة أدب يتجاوز الحدود القومية.
- اهتم المهرجان بالمسرح والسينما كأدوات مقاومة ثقافية، مع عروض أفلام وندوات حول التحديات التي تواجه المسرحيين، مؤكداً على دعم الفن والثقافة الكردية.

اختُتم مساء أمس الاثنين مهرجان الفن والثقافة الكردية في دورته الرابعة، الذي يقام سنوياً في العاصمة الألمانية برلين على مدار أربعة أيام، ويجمع بين فعاليات في الأدب والفن والسياسة والفكر. وقد جاءت دورة هذا العام تحت عنوان: "نقطة تحوّل في سورية – مستقبل جديد للكرد"، متفاعلةً مع المستجدات السياسية الأخيرة في سورية، وعلى رأسها سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، وتسلّم قيادة جديدة مقاليد الحكم.

وجاء في الكلمة الافتتاحية للمهرجان "بعد 54 عاماً، سقط الحكم الدكتاتوري لعائلة الأسد وحزب البعث، ما فتح آفاقاً جديدة للكرد والمكونات الأخرى في سورية"، فيما وصف المنظمون الدورة الحالية بأنها "فرصة للتأمل في الماضي والحاضر والمستقبل"، مؤكدين على رسالة المهرجان في "تعزيز الحوار الثقافي وتلاقي الثقافات وخلق بيئة شاملة ترحب بالجميع".

بداية المهرجان كانت في السادس من حزيران/ يونيو، بكلمات ترحيبية وتقديم تعريفي بالمهرجان ومركز "ميتاني" المنظّم له، كما تم تكريم الفنان العربي السوري سعد الحرباوي الذي غنّى على مدى ستة عقود في حفلات العرب والكرد والسريان والآشوريين، إلى جانب تكريم العازف والفنان الكردي خضر قادري، واختتم اليوم الأول بأمسية موسيقية لفرقة "سامال". 


اللغة والهوية

خصص المهرجان حيزاً مهماً لمسألة اللغة الكردية والهوية الثقافية، من خلال سلسلة ندوات ولقاءات شهدت نقاشات عميقة حول مستقبل الأدب واللغة الكردية في سورية ما بعد نظام الأسد، حيث شارك فيها باحثون وباحثات في اللغويات والقانون الدولي وكتّاب ومترجمون. ومن بين أبرز هذه الفعاليات: اللغة والثورة: تأثير الثورة في سورية على اللغة والأدب الكرديين (بالكردية مع ترجمة فورية للعربية والألمانية)، واستمرارية أم نقطة تحوّل؟ المطالب الكردية في سورية بين المشروعية التاريخية والرفض السياسي" (بالألمانية مع ترجمة للعربية والكردية)، والنضال من أجل الاعتراف: التحديات التي تواجه الكاتبات في نشر وتوزيع أعمالهن (بالكردية مع ترجمة فورية). سلّطت هذه الفعاليات جميعها الضوء على تاريخ تهميش الكرد في سورية، ومنعهم من استخدام لغتهم كتابةً وتعليماً، ما دفع الكثير من كتّابهم إلى الكتابة باللغة العربية، مثل سليم بركات، ونزار آغري، وإبراهيم محمود، وجان دوست، وحليم يوسف، ومها حسن وآخرين.

تركيز على دور المرأة في صناعة أدب يتجاوز الحدود القومية

ورغم تعلم بعضهم الكردية لاحقاً، فإنه لا يزال هناك جدل حول "الانتماء الأدبي" لهؤلاء الكتاب، إذ يعتبر أدبهم ضمن الأدب العربي بسبب لغة النشر. وفي هذا السياق، طُرحت تساؤلات حول مدى قدرة السلطة الجديدة على ضمان حرية تعليم اللغة الكردية، وفتح المجال لإعلام ونشر أدبي كردي مستقل، في ظل غياب "الآباء المؤسسين" للكتابة الأدبية الكردية المعاصرة.


منصات للحوار الأدبي النسوي

من الفعاليات الأدبية اللافتة التي جرت في الأيام اللاحقة لليوم الأول، كانت: الأدب بين اللغات والثقافات والقصص، بمشاركة الشاعر حسين درويش، والقاصة وجيهة سعيد، والشاعر علي جازو، والكاتبة والصحافية سميرة المسالمة، والصحافية نهى سلوم؛ والحيّز البيني: أصوات ووجهات نظر نسائية من سورية"، بمشاركة الكاتبة غيثاء الشعار، والمترجمة سولارا شيحا، والشاعرة وداد نبي، والباحثة جولييت كورية، والكاتبة نور حريري. وقد اتسمت هذه النقاشات بتناول قضايا الهوية والتعدد الثقافي والنسوية وتعدد اللغات، مع التركيز على دور المرأة في صناعة أدب يتجاوز الحدود القومية واللغوية. وقد عُقدت هذه الندوات بالعربية، مع ترجمة إلى الألمانية والكردية.


المسرح والسينما: مقاومة فنية

كما اهتم المهرجان هذا العام بالمسرح بوصفه أداة مقاومة ثقافية، من خلال ندوة بعنوان "المسرح كشكل من أشكال المقاومة: تطور المسرح الكردي (الكرمانجي)"، شارك فيها المخرج عادل إسماعيل، والكاتب ميرزا متين، والمخرج زردشت إبراهيم. وتناولت الجلسة التحديات التاريخية والمستقبلية التي يواجهها المسرحيون الكرد، من رقابة وقمع إلى غياب الدعم والبنية التحتية.

أما في مجال السينما، فعُرض فيلمان بارزان، هما: "كُن الفائز" (Becoming Winner) للمخرجة الكردية الألمانية سولين يوسف، ويتحدث عن عائلة كردية من كوباني تلجأ إلى ألمانيا، وقد نال جائزة "أفضل فيلم للأطفال" في جوائز الفيلم الألماني لعام 2024. أما الفيلم الثاني فكان "جيران" للمخرج السويسري الكردي مانو خليل، الذي يعود إلى الثمانينيات ليحكي قصة قمع النظام البعثي في قرية كردية على الحدود السورية – العراقية، بأسلوب يجمع بين السخرية والمرارة.


استمرارية رغم التحديات

يُقدِّم مهرجان الفن والثقافة الكردية سنوياً مجموعة من الفعاليات الجانبية التي تُثري برنامجه الأساسي، من بينها معرض للكاريكاتير، ومعرض للكتاب، وخيمة فنية مخصصة للأطفال، تتضمن ورشات عمل في الفنون والمسرح. كما يُعرّف الزوّار من مختلف الخلفيات — الألمان والكرد والعرب وغيرهم من الجاليات — على جوانب من الثقافة الكردية، من خلال عروض للمطبخ التقليدي والحلويات والشاي الكردي، إضافة إلى فنون الوشم، والأزياء والرقصات الفولكلورية.

انطلقت فكرة المهرجان قبل أربع سنوات بصفة مبادرة من مجموعة أصدقاء يجمعهم الشغف بالفن والثقافة، وتمكّنت من الاستمرار حتى اليوم رغم غياب التمويل، إذ يُفتح المهرجان مجاناً أمام الجمهور، وتُقدَّم فعالياته بثلاث لغات، من دون انغلاق على لغة أو هوية واحدة. ويؤكد يوسف عيسى، المتحدث باسم المهرجان، أن الرهان كان منذ البداية على "الإيمان المطلق بأهمية دعم الفن والثقافة الكردية، ونقل رسالة الشعب الكردي من خلال المحاضرات والندوات والأمسيات المتنوعة".

المساهمون