في مسرح الهواء الطلق

27 مارس 2025
امرأة تحمل طفلتها وتهرب خوفاً من قصف الاحتلال الإسرائيلي على غزة، 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- كلمة "مسرح" في الإسبانية تحمل معانٍ متعددة، تشمل المكان المخصص للعروض المسرحية، والأحداث المهمة مثل مسرح الجريمة والحرب، وحتى الطقوس الاجتماعية الكبرى مثل التتويج والقداس.
- الحياة اليومية تُعتبر مسرحاً حيث نكرر الأفعال الروتينية كالممثلين، مما يعكس الطقوس الدنيوية، بينما تُستخدم عبارات مثل "أن تكون درامياً" لوصف المبالغة والتلاعب.
- في السياق العربي، تُظهر الحياة مشاهد الاقتتال والطغيان، حيث الموت هو البطل الوحيد في هذه الساحة التراجيدية، مما يعكس حالة من الفراغ والدمار.

لكلمة "مسرح" في اللغة الإسبانية معانٍ ودلالات عديدة، بعضها مكمّل، وبعضها الآخر متناقض، لدرجة أننا قد لا نعرف على وجه اليقين عن ماذا نتحدث حينما نشير إليها.

بدايةً، تعني الكلمة مكاناً، مبنىً، أو بناءً مصمماً خصيصاً للعروض، العروض المسرحية على وجه التحديد. وهي بهذا المعنى تشمل جميع الأدوات المستخدمة في الإنتاج المسرحي من ديكور، وإضاءة، وأزياء، بما في ذلك العاملون فيه من مؤلفين، وممثلين، ومخرجين وغيرهم. 

ويمكن أن تعني الكلمة أيضاً المكان الذي تحدث فيه بعض الأحداث المهمة، الكوميدية أو المأساوية، التي عادةً ما نكون مجبرين على تأملها من مسافة معينة، بوصفنا متفرجين مشلولين: مسرح الجريمة، ومسرح الحرب، ومسرح العواطف الإنسانية.

نتصرف كممثلين في مسرحية طويلة ونكرر فيها دائماً النصّ نفسه

يمكن أيضاً أن تدل الكلمة على الأحداث الاجتماعية الكبرى: افتتاح نصب تذكاري، تعميد سفينة حربية، تتويج ملك، عرض عسكري، قداس. وعادةً ما تُسمى هذه المظاهر بـ"الطقوس".

الأفعال المتكررة في الحياة اليومية يمكن أن تسمى أيضاً مسرحاً: مشهد تناول الفطور، مشهد الخروج إلى العمل، فعل العمل نفسه، خاتمة العشاء، إلخ. في هذه الحالات، نتصرف كممثلين في مسرحية طويلة، ونكرر فيها دائماً النصّ نفسه، مع الممثلين أنفسهم، وننفذ الحركات نفسها، في الوقت نفسه، آلاف المرات. 

قد يكون الوجود الإنساني سلسلة من الآليات الخالية من الحياة مثل حركات الآلة نفسها. يمكن أيضاً تسمية هذا النوع من المسرح المتأصل في حياتنا الإنسانية بالطقوس الدنيوية.

عبارات مثل "أن تكون درامياً"، "أن تمثّل" تُستخدم لوصف المواقف التي يقوم فيها الأشخاص بالتلاعب والمبالغة، أو تشويه الحقيقة. في هذا السياق، يكون المسرح والكذب مرادفين.

من المعاني الأكثر قدماً لكلمة مسرح، قدرة الإنسان -التي لا توجد في الحيوانات- على مراقبة نفسه في الفعل. وحدهم البشر قادرون على رؤية أنفسهم في فعل الرؤية. وحدهم قادرون على التفكير في مشاعرهم والتأثّر بأفكارهم. يمكنهم رؤية أنفسهم هنا وتخيّل أنفسهم هناك. يمكنهم رؤية كيف هم الآن، وتخيّل كيف سيكونون غداً.

إذا ما تأمّلنا حياة الإنسان العربي، وسلوكه، وتصرفاته، وقدرته، إذا ما تأملنا كيف هو الآن في هذه المساحة الكبيرة التي تُدعى الوطن العربي، فإننا لن نرى إلا مشاهد الاقتتال، والاستئصال، والاستئثار، والابتذال. لن نرى سوى فصول الطغيان والنوم والرايات التي تنزف دماً. وبين الكلمات التي تتمزّق، والحناجر التي تتأوه، لا نسمع إلا الارتعاشات والأصداء، لا نسمع سوى آهات الاختناق، ولا نشعر إلا بغيوم البكاء. ولم يعد هناك سوى الفراغ أو الرمل. 

في هذه الساحة العربية التراجيدية، ليس ثمة إلا بطل واحدٌ يتنزه. إنّه الموت. والجميع يحتفي به. وكل يوم، قبل شروق الشمس وبعد غروبها، يصعد على مسرح الهواء الطلق؛ هذه الأرض العربية الكبيرة، ويبتكر ما يزلزل سبات حياتنا: الموت في الموت. 


* شاعر سوري مقيم في إسبانيا

موقف
التحديثات الحية