استمع إلى الملخص
- الجنود كسلع: تصور درغوث الجنود كمجسمات صغيرة تشبه لعب الأطفال، مما يثير تساؤلات حول تماهي العدالة مع العنف، مستلهمة من التعبيرية والتجريدية للفنان مروان قصاب باشي.
- الواقع القاسي: لوحات درغوث تعكس قسوة الواقع العربي منذ 2020، من انتفاضات إلى انفجار مرفأ بيروت، مستخدمة ألوان داكنة وضربات فرشاة ثقيلة.
"اقتراعٌ للرصاص" عنوان معرض الفنّانة اللبنانية تغريد درغوث، الذي افتُتح أوّل من أمس الأحد في "غاليري مصر" بالقاهرة، ويستمرّ إلى العشرين من شباط/ فبراير الجاري. يضمّ المعرض 28 لوحة تُضيء تناقضات العصر الراهن؛ ديمقراطية مَشُوبة بلوثات التسلُّح، وهيمنة تفرض سطوتها الخشنة والناعمة على الفضاء العامّ، ما يؤدّي في نهاية المطاف إلى الاحتكام للعنف مرّة أُخرى.
تُقدّم صاحبة "من ينظر إلى البحر: الإنسان والأرض" (2024) لمعرضها الجديد بالقول: "فكرته الرئيسية تتمحور حول ذلك التحوّل، المُثير للقلق، لأفرادٍ من الجنود أصبحوا سلعاً تُنتج بالجُملة، مُجسّمات صغيرة خضراء تُشبه لعب الأطفال في آلة تقوم بدمج القِيم بالأرباح، ومن خلال تسليط الضوء على هذا التناقض، يُثير العمل في المُشاهِد الرغبة في التأمّل وأيضاً التساؤل حول تماهي السعي لتحقيق العدالة مع استمرارية المَيل إلى العنف".
تُصوّر الجنود على هيئة مجسّمات صغيرة تشبه لعب الأطفال
تنتمي درغوث إلى مجموعة التشكيليّين الشباب التي تأثّرت بتعبيرية وتجريدية الفنّان السوري الألماني مروان قصاب باشي (1934 - 2016)، ومنهم الشقيقان اللبنانيّان أيمن وسعيد بعلبكي، والعراقي سيروان باران، حيث الكثافة اللونية تصنع المشهد وتتسيّده، والواقع القاسي يُعرّف عن نفسه بلا مُقدّمات ولا توريات. نحن لسنا أمام مشهد طبيعي - وإن كان يتضمّن عناصر طبيعية - يُفضي إلى فهم هادئ وانسيابي، بل موقف حادّ يختلط بالنفي والسلبية والصراعات التي تصنع مصائر البشر.
الجنود والجماجم والدبّابات والمروحيات الحربية، وغيرها من "أدوات الاقتراع"، تحضر بقسوة في لوحات درغوث، وأيّ اقتراع أوضح من هذا؟ كما تُحدّد الألوان الداكنة ضربات الفرشاة الثقيلة، حيث النور يحاول الانسلال إلى قلب اللوحة، ولكن من دون جدوى، وكأنّ مانعاً كتيماً يطغى ويمنع ذلك. وهنا، يُمكن لنِصْفِ عَقدٍ من السنوات أن يُسعفنا في فهم هذا التصوّر الذي تشتغل وفقه درغوث، فمنذ 2020 إلى اليوم لم تشهد المنطقة العربية، ومن ضمنها لبنان، أي أحداث عادية، من انتفضات قُمعت بدموية، إلى انفجار مرفأ بيروت، وليس انتهاءً بإبادة صهيونية في غزّة كان حظّ لبنان منها عدواناً همجيّاً استمرّ لأكثر من عام، وذهب ضحيّته آلاف المواطنين، ووفقاً لهذه المعطيات نقرأ العنوان اللمّاح الذي اختارته لمعرضها.
وُلدت تغريد درغوث في مدينة صيدا عام 1979. درست التصوير والنحت في "الجامعة اللبنانية"، قبل أن تُواصل تخصُّصها في مرحلة الدراسات العُليا بـ"المدرسة الوطنية للفنون الزخرفية" بباريس (ENSAD)، وخلال عامَي 2000 و2001، تدرّبت تحت إشراف مروان قصاب باشي في "دارة الفنون" بعمّان. ومنذ مطلع الألفية الجديدة، عرضت الفنّانة أعمالها على نطاق محلّي واسع، عبر مجموعة من المعارض الفردية والجماعية، بالإضافة إلى مشاركاتها في أُخرى دولية.