استمع إلى الملخص
- يضم المعرض أعمالاً توظّف الحِرفة وتستحضر ثيمات الذاكرة والمكان، مثل أعمال إيمان طفيلي وليلى جبر جريديني، ويبرز عمل منى الجمل السيالة وسارة أوحدو باستخدام خامات متنوعة.
- يشمل المعرض أعمالاً في الفن المفاهيمي وفن الأرض، مثل عمل فتيحة الزموري ونادية كعبي لينك، ويستعرض أعمالاً لفنانات بارزات مثل مها الملّوح وعزة أبو ربعية، وفنانات رائدات في الحداثة التشكيلية.
يتكامل المعرض الجماعي "المرأة في طور العمل: التقاطع بين الفنّ التشكيلي والحِرَف"، الذي افتُتح، بإشراف القيّمة وفاء الرّز، في "مؤسسة رمزي وسائدة دلّول" (DAF) ببيروت الخميس الماضي، مع آخَر بعنوان "فعالية المرأة في الفنّ العربي" ارتأت المؤسسة أن تُقدّم نسخة ثانية منه أوسع من تلك الأولى التي أُقيمت في "الجامعة اللبنانية الأميركية" أواخر إبريل/ نيسان الماضي. وكعادة هذا النوع من المعارض الجماعية التي تقترحها "DAF"، سرعان ما يجد الزائر نفسه أمام حشد من التفاصيل؛ مشهد عريض يبدأ مع رائدات الحداثة التشكيلية في مطالع القرن الماضي، وينتهي إلى راهننا المُعاصر.
ينطلق معرض "المرأة في طور العمل" (كتبت نصّه التقديمي الباحثة في المؤسسة بشرى بطلوني) من الفجوة المتمثّلة بين الفنّ والحِرفة، ومدى انعكاسها على حيوات واشتغالات الفنّانات العربيات، وينتقل من تلك الفجوة إلى مستوىً مُعاصر من المُعاينة، كاشفاً عن أعمال مُركّبة تتطلّب تأمّلاً عميقاً في طبقاتها. أعمال تستوعب أبعاداً تاريخية واجتماعية شديدة الثراء، بل إن عرضها في بيروت اليوم يقول الكثير عن قدرة هذه المدينة المشرقية على استيعاب مثل هذه التظاهرات الفنية، رغم كلّ النكسات السياسية والاقتصادية التي حلّت بها.
أعمال توظّف الحِرفة وتستحضر ثيمات الذاكرة والمكان والانتماء
النسيج والحياكة والثياب، ربما يكون الباب الأول الذي يمكن لنا أن ندخل من خلاله إلى المعرض، ومن أبرز المُساهِمات فيه اللبنانيتان إيمان طفيلي (1969)، وليلى جبر جريديني (1963)، حيث تستدخل الأولى الملابس النسائية على الصُّور بطريقة الكولاج. ثلاثة أعمال ذات خلفيات سوداء يُخيّل لنا أنها شَعر نساء أسود، وموضوعها هوية المرأة ودورها الاجتماعي في أزمنة الحرب والنزوح والأبنية المدمّرة. أمّا أَبسطة جريديني فتنبني على ثيمة استدعاء الذاكرة وإرث العائلة كما في معرضها "بنوّة: الإرث المُستعاد" ("غاليري جانين ربيز"، 2023). لكنّ عملاً آخر يأخذ طابعاً مركزياً في المعرض يُمكن إدراجه ضمن هذه المجموعة، نسيجٌ صوفي (15× 180× 225 سم)، من توقيع الفنانة المغربية إستير بن داود (1962)، ويختزن أثراً ثقافياً يجمع العَراقة بالمعاصَرة.
"الحصان والعلجية"، عنوان عمل للتونسية منى الجمل السيالة (1973)، ينقلنا إلى مجموعة أُخرى من أعمال المعرض قوامُها الخلائط والمعادن، حيث تُعيد الفنانة تشكيل فسيفساء رومانية تعود إلى القرن الرابع (204×216 سم) عبر المعدن والقماش والبلاستيك الشفاف، مؤكّدة الطابع العام الذي يُغلّف الأعمال: مزيجُ التاريخ والتراث، وهذا حال جزء وافر من الفن المعاصر الذي يقوم في الأساس على الاستعادات والتأويل. مع ذلك يبقى العمل مختلفاً عن اشتغالات الفنانة خلال العقد الأخير في حقل الفوتوغراف، والتي تتناول مواضيع سياسية واجتماعية راهنة. وإلى جوار عمل السيالة، يُطالعنا عملٌ معلّق للمغربية سارة أوحدو (1986)، يُذكّر بأجواء المشربيات ذات الزجاج المُلوّن الذي يفصل بين عالمين، بل يخفي الداخل عن الخارج؛ خشبُ أَرز وزجاج عراقي وأندلسي شفاف، ونحاس أصفر وأحمر. وكذلك عملٌ للبنانية هلا متّى (1970)، خاماتُه قِطَعٌ خزفية مُركّبة على قضبان معدنية.
يحضر فنّ الأرض، إلى حدّ ما، في المعرض، وذلك بوصفه أحد تيارات الفنّ المفاهيمي الحديث، من خلال عمل بعنوان "طيّ الأرض" وقّعته المغربية فتيحة الزموري (1966): "طينٌ وجصّ وفحمٌ وتربة تتحول إلى أدوات للتأمّل في تحولات الحياة، من خلال عمليات الاحتراق والجفاف والتشقّق والتفكُّك"، وفي هذا العمل بساطة دقيقة (Minimalism) تتقارب بشكل أو بآخر مع عملٍ في السياق ذاته للتونسية نادية كعبي لينك (1978)، التي تدمج في سلسلتها "لون الأزمنة" أصباغاً مأخوذة من جدران مبانٍ قديمة تقارب المئة عام، وتقع في ثلاث مدن: بون وأحمد أباد وكييف، ثم تنقل هذه الأصباغ إلى داخل إطار اللوحة.
وإلى السعودية نرتحل مع عمل مها الملّوح (1959)، "هل تريد أن تكون سعيداً؟"، الذي لا يخلو من طرافة وسخرية من خطاب رجال الدين المتشددين الذين بثوا جلساتهم الدعوية في ثمانينيات القرن الماضي عبر أشرطة الكاسيت، تجمع الملوح اثنين وسبعين منها، والتي ما إن تبتعد عنها حتى تظهر لك من خلال تتبّع الأشرطة الزرقاء كلمة "حرام". أما الفنانة السورية عزة أبو ربعية (1980)، الحائزة مؤخّراً على "جائزة فاتيسلاف هافل الدولية للمقاومة الإبداعية"، فتحضر بلوحة عنوانها "جنازة الفراشة" سبق أن قُدّمت في معرض نظّمه "غاليري صالح بركات" في بيروت قبل ثلاث سنوات.
بالعودة إلى المعرض الأول "فعالية المرأة في الفنّ العربي: القرابة، والتعليم، والنشاط السياسي" (بطبعته الثانية المَزيدة)، الذي يسلّط الضوء على أعمال فنّانات عربيات وُلدن بين عامَي 1905 و1948، ويُعتبَرن رائدات الحداثة التشكيلية في القرن العشرين، نجد أنّ الجوّ مختلف قليلاً، وإن كانت المرأة هي القاسم المشترك بينهما، فبدلاً من الفنّ المفاهيمي والتجهيزات ذات الطبقات المتعددة والغزيرة، هنا، للفنّ الفطري حضورٌ قوي مع الجزائرية باية محي الدين (1931 - 1988)، والمغربيات الشعيبية طلال (1929 - 2004)، وفاطنة كبوري (1924 - 2012)، وفاطمة حسن الفروج (1945 - 2010).
ومن بين أبرز الأعمال "تحية إلى غسان كنفاني"، والتي تعدّ من أشهر اللوحات عن الكاتب الذي اغتاله الموساد في بيروت عام 1972، عملٌ بملامح أيقونية وقّعته الفنانة سامية حلبي (1936)، عام 2017، حيث تظهر داخل الإطار وخارجه عناصرُ أنتلجنسيا فلسطينية (بيروتية): غسان كنفاني في الوسط، ومن حوله وجوه النساء والرجال والأطفال وأزهار الدحنون وكوفية المُلثّم، وبالجوار من هذا العمل أشجار زيتون طينية ("حكاية شجرة") اشتغلَتها فيرا تماري (1945) إبّان الانتفاضة الثانية عام 2002، ولا ننسى العنصر الأبرز، ضمن هذا السياق، وهو الفضاء الحاضن أي مؤسسة دلول.
ومن بين أبرز الأسماء التي يقترحها المعرض: المصريات إنجي أفلاطون، وجاذبية سري، وعفت ناجي، والبريطانية لورنا سليم (زوجة الفنان العراقي جواد سليم)، واللبنانيات سلوى روضة شقير وإيفيت أشقر وسامية عسيران، والفلسطينية جوليانا سيرافيم، والألمانية العراقية ليزا فتّاح، والعراقية سوزان الشيخلي، والمغربية لطيفة توجاني، وأُخريات.