استمع إلى الملخص
- تتناول لوحات المرّ موضوعات مثل الحياة اليومية والتجربة الإنسانية، حيث تظهر الحيوانات كجزء من هذه التجربة، كما في أعماله "الطريق إلى سوق السمك" و"مؤدو الأرانب"، التي تتجاوز الخط الفاصل بين الواقعية والرمزية.
- تعكس أعمال المرّ قضايا الهوية والتحرر في السودان، مع رمزية عالية في الوجوه الهندسية والشخصيات النسائية، كما في "جدار العلم القديم"، الذي يجسد الصراع بين الماضي والمستقبل.
يستلهم الفنان التشكيلي السوداني صلاح المرّ (1966)، في معظم اشتغالاته عناصر ومشاهد تنتمي إلى طبيعة بلده، حيث وُلد في إحدى القرى التي تقع على النيل الأزرق، وقد اختزنت ذاكرته تلك المناظر بالإضافة إلى تصاميم الكروشيه المحبوكة التي كانت تصنعها والدته وتحتوي صورًا لحيوانات وهمية، ودوائر ومثلثات متشابكة، مع ألوان وتفاصيل لا يمكن لأحد أن يراها غيره.
حتى السابع عشر من مايو/ أيار المقبل، يتواصل في "غاليري ماريان إبراهيم" بالمكسيك العاصمة، معرض صلاح المرّ الجديد، بعنوان "أرض الشمس"، والذي كان قد افتُتح في فبراير/ شباط الماضي، حيث يقدم المرّ مجموعة من أعماله بأسلوبه المعروف، الذي يُطلق عليه "التجريد التصويري"، وكأنه يُذكّرنا إلى حد ما بأننا في بلاد دييغو ريفيرا وفريدا كاهلو.
سريالية هادئة التفاصيل تنقل واقع السودان وحياة أهله الصعبة
ومقارنة بريفيرا الذي مثّلت جدارياته مشاهد من حياة العمال والطبقات الكادحة، فإن لوحات المرّ تبدو أكثر هدوءًا وسريالية، كحال عمله "الطريق إلى سوق السمك" (2024)، حيث يُظهر هذا العمل خمسة أشخاص في مكان مفتوح، يحملون أو ينقلون الأسماك عبر السوق في مشهد أشبه بموكب مقدس، بالإضافة إلى كلب مرافق، وتجسد الأسماك المتناثرة روتين الحياة اليومية، متجاوزةً الخط الفاصل بين الواقعية والرمزية.
كذلك تحضر الحيوانات بقوة في "أرض الشمس"، هذه المخلوقات ليست منفصلة عن التجربة الإنسانية، بل جزء منها، كما في عمله "مؤدو الأرانب" (2024)، وهي لوحة أكريليك على القماش كبيرة الحجم. وفي هذا العمل، يحمل مؤديان يرتديان ملابس برتقالية أرنبًا أبيض، بينما ينظر إليهما شخص ثالث ذو رأس مزدوج ويرتدي ملابس بيضاء وردية اللون.
تضع لوحة المرّ ذات اللون الأصفر الذهبي والأحمر المحروق بأشعة الشمس المتلقين أمام جدران لغرف ضيقة، في إشارات لمّاحة عن حال بلد ممزق، ومكان تتحول فيه الهويات بين الشخصي والجماعي، وتنوس بين التحرر والاستبداد والحروب الأهلية، من دون أن تتسم لوحاته بالبعد السياسي المباشر. كذلك تتخذ الوجوه الهندسية رمزية عالية مع شخصيات نسائية تلعب بأطواق "الهولا" ذات الألوان الزاهية في عملي "جدار الحلبة" (2024)، و"حداد في جدار الوداع" (2024)، هشّة ولكنها مصممة على الحفاظ على الاستقلال والتشبث بما هو مقدس.
"جدار العلم القديم" (2024)، عمل ثوري بامتياز، يُصور رجلًا سودانيًا يرتدي الأخضر، وجهه حزين، وجسده يتحرك، ويده ممسكة بعلم السودان السابق. يمر بجانب جدار مغطى بقبضات ثورية، بينما تقف فتاة أو امرأة صغيرة بحذر بالقرب منه، رأسها مرسوم مرتين، ويداها ممسكتان بهاتين القبضتين، ربما لسد الفجوة بين ماضي البلاد ومستقبلها. يرسم صلاح المرّ الوجه نفسه بآلاف الأشكال المتنوعة ليُنشئ أمةً، وشعبًا محررًا عليه إعادة بناء نفسه، لكنه يجد نفسه محاصرًا بهياكل السلطة نفسها التي قمعته يومًا ما عبر أجهزة الدولة والاستغلال والعنصرية.