إسرائيل و"اتفاقات" في غزة ولبنان وسورية

18 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 21:29 (توقيت القدس)
+ الخط -

في الوقت الذي تستمر آلة القتل والدمار الإسرائيلية في حصد الأرواح في قطاع غزة أمام الصمت العالمي الدائم، تزداد وتيرة عمليات المقاومة الفلسطينية في القطاع ضد جيش الاحتلال، وتزداد مع ذلك نبرة الاقتراب من التوصل إلى صفقة جديدة هي الثالثة أو الرابعة لوقف الحرب مؤقتًا.

في هذه الفترة، تريد دولة الاحتلال وقف الحرب مؤقتًا لالتقاط النفس بعد الحرب التي شنّتها ضد إيران أولاً، وثانيًا لإتمام مشروع صفقة ستكون "تاريخية" بالنسبة لتل أبيب، هذه الصفقة التاريخية هي اتفاق تطبيع جديد، يُدرك الجميع أنه سيعني شرقًا أوسط جديدًا، خاصة حين يكون مع سورية، البلد الذي كان عدوًا لها منذ سبعين عامًا، وتحتل جزءًا مهمًا منه منذ 1967 هو منطقة الجولان.

من المهم إدراك أن الحديث الإسرائيلي عن أي اتفاق لوقف إطلاق النار يكون الجزء الأكبر منه مخادعًا ومزيفًا، وتتفق المؤسسات السياسية والعسكرية مع وسائل الإعلام الإسرائيلية وحتى الأميركية لخلق مناخ إعلامي يسوده تضارب المعلومات والكذب، ويخلق حالة من الارتباك لدى "العدو"، وفي المشهد الدولي ككل، أما الحقيقة فتكون في دائرة جدًا ضيقة، وهذا أمر جارٍ العمل به من قبل الإدارة الإسرائيلية وحليفتها الأميركية.

لا تبدو النتائج الفعلية والحقيقية للحروب الإسرائيلية ضد دول المنطقة في الشرق الأوسط (إسرائيل في ظرف سنتين أشعلت الحرب مع خمس دول) مماثلة للأهداف المعلنة ولما تريد تل أبيب تحقيقه، لذلك يعلو صراخ تبرير جدوى الحرب، وارتفاع وتيرة تضخيم إنجازات الحرب ضد إيران بالدرجة الأولى، ثم التلويح ببدء جولة جديدة ما دامت السابقة لم تُحقق الهدف الرئيسي، بل أتت بنتائج عكسية.

هذه المرة، يريد الإسرائيليون وقف الحرب في قطاع غزة (على طريقتهم) تزامنًا مع صفقات إقليمية يُتوقع حدوثها غدًا أو بعد غد أو أيامًا أو أسابيع، لكي يظهر الكيان بمظهره المُخادع، كعادته، باعتباره دولة سلام وتعايش، وعلى العرب أنظمة وشعوبًا وقبائل أن تُصدق هذا المظهر وتنظر إلى مصلحتها العُليا المزعومة، أو لا تنظر إليها، المهم هو أن تُوقّع لتضمن السلام.

بخصوص سورية، يدور الحديث عن "تطبيع" مرتقب للعلاقات بين الكيان ودمشق، وهو أمر لن يُعطي للسوريين أملاً في استرجاع الجولان أو جزء منه، ولا في استرجاع الأراضي المحتلة الجديدة، ما يؤكد نهاية أبدية لمعادلة الأرض مقابل السلام التي صيغت في وقت سابق، وتفعيل الأمن مقابل السلام، أي على إسرائيل ضمان أمنها كي يضمن الجميع السلام، كما أنه ليس مفاجئًا في التوقيت الحالي، حيث القرارات الأميركية المتتالية حول إزالة العقوبات والرفع من قوائم الإرهاب لأسماء كثيرة في النظام السوري الجديد، من بينهم الرئيس أحمد الشرع نفسه.

التوصل إلى صفقات ثلاثية في غزة ولبنان وسوريا بالشكل الإسرائيلي سيعني هروب نتنياهو من الفشل المتلاحق وفتح شهيته نحو خلق أعداء جدد لشن الحرب عليهم

أما في لبنان، فالوضع مع حزب الله لا يزال غير واضح بعد أشهر من النهاية الأحادية للحرب (إسرائيل لم ولن تُنهي حربها على لبنان بعد). ورغم أن إسرائيل هدفها الواضح هو إنهاء سلاح حزب الله بشكل كلي ودائم، فإنها لا تزال تبحث عن أنجع طريقة لتحقيق هذا الهدف بعدما جرّبت الحرب المباشرة والاغتيالات المتتالية بشتى أنواع الأسلحة بمساعدة الحلفاء الأميركيين والبريطانيين، ولا شك أن جولة المبعوث الأميركي الحالي توم برّاك تذهب في اتجاه الوصول إلى صفقة في لبنان تُنهي "تهديد هذا السلاح لإسرائيل".

إذاً، نحن أمام مرحلة خطرة، لن نقول هي أخطر مرحلة، فالمنطقة منذ نشأة "الكيان الإسرائيلي" تعيش على وقع المراحل الخطرة والمفصلية وذات التفاصيل الدقيقة، ولكن التوصل إلى صفقات ثلاثية في غزة ولبنان وسورية بالشكل الذي يرغب به الإسرائيليون سيعني فتح باب لهروب نتنياهو وحكومته من الفشل المتلاحق، وفرصة للهروب من المساءلة والتحقيق بخصوص كوارث الحرب ضد إيران التي لحقت بالدولة العبرية، إذ سيخرج لشعبه ليلعن بكل تطرف ووقاحة انتصار "الشعب اليهودي" على العرب بفضل مخططاته الإجرامية، وستُفتح له الشهية نحو أماكن أخرى وخلق أعداء جدد كي تُشن الحرب عليهم.

بالمقابل، فإن عملية رفع ثمن الحرب التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية في غزة عبر العمليات المتتالية والكمائن المحكمة من شأنها أن تدفع الإدارة الإسرائيلية لإعادة حساباتها بشأن شكل الصفقة المقبلة. وأمام العجز العربي المُتعمّد من الأنظمة، بتنا نُعوّل على حفنة من شباب حفاة، جوعى، لكنهم ممتلئون بالإرادة والكرامة للدفاع عن وطن وعن شعب اتفق النظام العالمي في مجمله على التخلي عنه والتآمر ضده.

إن المشهد الذي يُرسم بدماء المدنيين الأبرياء يتجه، بالإجرام الصهيوني، ليكون مشهدًا إسرائيليًا بامتياز ضمن ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، ذلك المشروع الذي حمله الأميركيون والإسرائيليون وحلموا به طوال عقود من الزمن، وتبقى إمكانية نجاح إسرائيل أو فشلها في كسب هذه الصفقات الثلاثية المرتقبة مرهونة بقدرة المقاومة أو المقاومات في غزة ولبنان وحتى سورية على التصدي لهذه الحلّة الجديدة من المشروع الأميركي الإسرائيلي.

كاتب صحفي مغربي وباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بسلك الدكتوراه بكلية أكدال الرباط.
أيمن مرابط
كاتب صحفي مغربي وباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بسلك الدكتوراه بكلية أكدال الرباط.